المطلب الأول: قواعد الكتابة
وتتصل القواعد إما بأسلوب البحث أو كيفية ضبط الجمل والعبارات. أو بتوظيف المصطلحات. أو تعلقت بأخلاقيات البحث.
الفرع الأول: إسلوب البحث
ويجب على الباحث أن يختار المفردات السهلة والعبارات البسيطة في كتابته فذلك أدعى لفهم القراء وأولى لإيضاح المعنى. فالأسلوب السهل البسيط في الكتابة يحتاج من الباحث جهداً كبيراً. وإن أكثر الأساليب مشقة على الباحث هو السهل الممتنع. وهو أسلوب رشيق في عباراته، سهل في كلماته تستعذبه الأفهام والعقول، ولكن يصعب عليها تقليده. ومن أعمدة هذا الأسلوب في البحث ما يلي:
أولاً: بساطة جمله وسهولة كلماته. فكلما كانت الجملة قصيرة كانت أكثر بلاغة. وعلى ذلك يجب أن تكتب الجملة بأقل قدر ممكن من الكلمات. فكلما ازداد الأسلوب بساطة ازداد عمقاً([1]). وليس العكس كما يظن البعض.
ثانياً: البعد عن الألفاظ والكلمات غير المألوفة أو المطروقة في محيط عمل الباحث. واختيار الكلمات المتداولة والمعروفة أقرب إلى الفهم مادامت الكلمتان من اللغة الفصحى. ذلك أن من خصائص لغتنا العربية التجديد وكثرة الاشتقاقات. فكم من ألفاظ تموت وأخرى تُحي من جديد.
كما لا يصح أن تكون الكلمات ثقيلة على الأذن أو متنافرة في حروفها التنافر يسبب ثقل الكلمة على اللسان، وعسر النطق.
ثالثاً: البعد عن التقعر في الكلام. أي التزيد في المعنى بغير ضرورة. وهو عيب في الأسلوب.
رابعاً: البعد عن الإسهاب والتزيد في المعنى وتكرار الأفكار وهذه عيوب أيضاً تلحق بأسلوب الباحث. وإن جاز استخدام ذلك في بعض الأحوال، إلا أن ذلك لا يجوز في كتابة البحث العلمي. فالأبحاث العلمية أبحاث متخصصة تخاطب قارئاً أو باحثاً. ولذلك فإن التزيد في المعنى، والتكرار فيه يعيبه، ولا يضيف إليه.
خامساً: ترابط أجزاء البحث، وتساندها بحيث تسلم كل فقرة للفقرة التي تليها، وكل فرع للفرع الذي يليه، وكل مبحث أو فصل. وهكذا، فجزئيات البحث يجب أن تترابط معاً في سلسلة واحدة. هذه السلسلة تتمثل في الفكرة الجوهرية التي يدور حولها البحث([2]).
ومن جمال الأسلوب الارتباط بين الجمل بأن تأخذ كل منها بعَجُز سابقتها؛ ومن مظاهر الأسلوب الجميل كذلك البساطة، فالتعقيد يقلل من قيمة الرسالة ثم الإيجاز بحيث يُحسُ القارئ أنه يجد جديداً كلما قرأ. فإذا اتضحت الفكرة التي يشرحها الطالب فليتوقف عن أن يضيف سطراً واحداً إليها، وينتقل بالقارئ إلى فكرة أخرى([3]).
ولا يكتمل للأسلوب جماله إلا بالالتزام بقواعد اللغة العربية وهو ما يستوجب ضرورة إحاطة الباحث بكيفية ضبط الجمل والعبارات.
الفرع الثاني: الالتزام بقواعد اللغة العربية في ضبط الجمل والعبارات
يتعين على الباحث أن يلتزم في كتابة بحثه بقواعد اللغة العربية، سواء من ناحية تنظيم الكتابة بمعرفة علامات الترقيم والضبط. أو من ناحية ضبط المعنى بالالتزام بالقواعد النحوية في ضبط الكلمات والمعاني. وذلك على الوجه التالي:
أولا: علامات الترقيم والضبط:
علامات الترقيم والضبط هي رموز شكلية تؤدي وظائف في اية لغة. ولغتنا العربية غنية بهذه العلامات التي تضبط الكلام وتؤدي إلى إدراك المعنى المقصود منه([4]).
وعلامات الترقيم والضبط التي يجب مراعاتها في الكتابة ما يلي:
- النقطة: (.) وتوضع عند تمام الجملة أو تمام الكلام.
- النقطتان الرأسيتان: (:) ولهما مواضع متعددة.
- بين الشيء وأقسامه أو أنواعه: ومن ذلك القول. سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين: المبحث الأول……..
- عند التمثيل وقبل المثال.
- قبل تعداد الأسماء، أو رؤوس الموضوعات.
- النقاط الأفقية: (…) وتستخدم عند الحذف من كلام مقتبس للإشارة إلى ذلك.
- الفصلة: وهى إما فصلة عادية (،) أو فصلة منقوطة (؛): وتستخدم الفصلة العادية أساساً عند وصل الكلام بعضه بعضاً، كان توضع بين أنواع الشيء وأقسامه، وبين جملة الشرط وجوابه، وبعد لفظ المنادي، وبين القسم وجواب القسم.
أما الفصلة المنقوطة: (؛): تستخدم أساساً بين جملتين تكون الأولى سبباً للثانية. فضلاً عن استخدامها للفصل بين الأسماء والعناوين.
- علامة الاستفهام: (؟) وتوضع بعد الجملة الاستفهامية.
- علامة التعجب: (!) وهي تعبر عن انفعالات الكاتب ولذلك توضع بعد الجملة التي تترجم هذه الانفعالات مثل التعجب، الدهشة، الحزن، الأسى، الفرح.
- الشرطة الراسية: (/) توضع للفصل بين الإسم واللقب. وأكثر استخدامها في الهوامش.
- الشرطة الأفقية: (-) وتستخدم للفصل بين العدد والمعدود وقد تستخدم محل الأرقام لترتيب أمثلة معينة. كما تستخدم في الجملة الاعتراضية. وذلك لوضعها بين شرطتين.
- علامة التتابع: (=) توضع في نهاية الصفحة لوصل الكلام بالصفحة التالية لها.
- الأقواس وهي أنواع:
- قوسا علامة التنصيص: (” “) ويستخدمان أساساً للإشارة إلى الكلام المقتبس عن الغير، ولتمييز بعض الكلمات أو تحديد عناوين المقالات أو التقارير.
- القوسان المفردان: () ويستخدمان لاحتضان الأرقام التي تشير إلى المراجع سواء في المتن أم في الهامش.
- القوسان المركنان: [ ] يضع الباحث بينهما التعليقات والإيضاحات، التي يدخلها على النصوص المقتبسة من الغير.
تلك كانت علامات الضبط والترقيم. وهي ضرورية لضبط المعاني، وإدراكها. ويبقى ضرورة أن يحيط الباحث عند كتابة بحثه بالقواعد الأساسية للغة العربية، وذلك على الوجه التالي:
ثانياً: سلامة قواعد اللغة والإملاء:
من العيوب الجسيمة التي تلحق كثيراً من الأبحاث عدم التزام الباحث بقواعد اللغة وسلامة الإملاء. على الرغم من بساطة هذه القواعد وسهولة الالتزام بها.
فالأخطاء في القواعد، والأخطاء الإملائية تشوه المعنى، وتقلل من قيمة البحث وجدواه. لاسيما الأخطاء في القواعد البسيطة كالفاعل والمفعول وحروف الجر. ولذلك على الباحث أن يراجع قواعد اللغة باستمرار ويطبقها دائماً حتى لا ينساها. وإذا كان بعض الباحثين يلجأ إلى متخصصين لمراجعة البحث لغوياً؛ فإن ذلك لا يعني الاستكانة إلى هذا الأمر دوماً. ويجب أن يتعلم القواعد التي يستخدمها عند الكتابة. وهو أمر يسير، ولا يتطلب الأمر أن يكون الباحث عالماً من النحاة. فثمة قواعد أساسية يستخدمها الباحثون في كتابتهم، ويجب عليهم الإحاطة بها([5]).
الفرع الثالث: الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي
يلتزم الباحث بأخلاقيات البحث العلمي؛ فالبحث العلمي لا ينشأ من فراغ، وإنما هو تتمة لأفكار الآخرين. ومن سنن الله في كونه أن العلم لا ينتهي. وجعل فوق كل ذي علم عليم. وعلى ذلك فإن على الباحث أن يتواضع عند كتابة بحثه، فلا يلجأ إلى الحديث عن نفسه، أو عن تمجيد بحثه. فذلك أمر يترك لمن يحكم على البحث. كما يجب أن يكون عادلاً مع آراء الاخرين؛ سواء عند تأييدها أم الاختلاف معها. فضلاً عن ضرورة توافر الأمانة العلمية في الباحث.
وذلك كما يلي:
أولاً: البعد عن الافتخار وتضخيم الذات:
يتفق اهل العلم على أن تواضع الباحث أمر في غاية الأهمية. ولذلك يجب على الباحث حين كتابة بحثه أن يبتعد عن استخدام ضمير المتكلم، إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوى. ومن الملاحظ أن كثيراً من الباحثين يسرف في استخدام هذه الضمائر (أنا أرى – نحن نرى – نحن نذهب… الخ) بكثرة وفي غير موضعها. وهو أمر غير محمود، فضلاً عن أنه يتنافى مع فكرة البحث العلمي. فكتابة البحث تسويق لموضوعه، لا لشخص كاتبه.
وعلى الباحث أن يركز على إبراز جوانب الموضوع وعرض الآراء التي تتصل به. مثل: يتضح مما سبق، ومن جماع ما سبق يتضح، ويبدو أنه، وليس أدل على ذلك.
ولا شك في أن الابتعاد عن استخدام الضمائر الشخصية يؤدي ذلك إلى الفكر الموضوعي لدى الباحث، ويبعد عن فهم القارئ مسألة انحياز الباحث، وعن احتواء كلمات البحث على نبرة تؤثر في القارئ([6]).
ثانياً: العدالة مع آراء الآخرين:
يجب على الباحث في عرضه لآراء الآخرين أن يكون عادلاً وأميناً، سواء في عرض هذه الآراء أم في الاتفاق والاختلاف معها.
فمن ناحية أولى: يجب أن يعرض هذه الآراء بأمانة وموضوعية. مع ذكر أدلتها كلها وما تنبني عليها من أسس. وعلى ذلك فلا يجوز له أن يبتسر هذه الآراء أو يشوه أفكارها.
ومن ناحية ثانية: فإن عدالة الباحث مع هذه الآراء عند الاتفاق معها، أن يُعلن انضمامه إليها، وأن يجتهد في الإضافة إليها، وبيان إيجابياتها.
ومن ناحية ثالثة: فإن عدالة الباحث مع هذه الآراء عند الاختلاف معها؛ أن يحسن عرض أدلتها، ويحمل الرأي على الوجه الظاهر له، ولا يحمله مالا يحتمل.
[1]) د/ أحمد شلبي: المرجع السابق، ص 98.
[2]) د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق، ص 224.
[3]) د/ أحمد شلبي: المرجع السابق: ص 117.
[4]) في ذلك راجع: د/ أحمد شلبي: المرجع السابق: ص 130، د/ أحمد عبد الكريم سلامة: المرجع السابق: ص 151.
[5]) انظر أهم قواعد اللغة التي يحتاجها الباحث في كتابته: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ملحق رقم 1، ص 265 وما بعدها.
[6]) د/ أحمد عبد الكريم سلامة: المرجع السابق: ص 155.
قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.
وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:
تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.
ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:
تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.
وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.
وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.
المبحث الثاني: تجميع المعلومات.
وذلك على الوجه التالي:
سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.
وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.
وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).
ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.
وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:
[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.
قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.