المبحث الثاني: الإطار الموضوعي للبحث العلمي

المبحث الثاني: الإطار الموضوعي للبحث العلمي

يمثل الإطار الموضوعي للبحث جوهر عملية البحث العلمي. فهو يتصل أولاً باختيار موضوع البحث ثم وضع خطة لدراسة بحثه. وعلى ذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناولها كما يلي.

المطلب الأول: تقرير موضوع البحث

المطلب الثاني: إعداد خطة البحث وتقسيمه

المطلب الأول: تقرير موضوع البحث

إن هذا العنصر في الخطة هو المكان المناسب للتصريح بالأبعاد التي ستتناولها الدراسة، والتنبيه على كل هذا زيادة أو نقصاً، وهذا ضروري لتحديد مسار الموضوع من البداية، وحتى لا تكون ثمة ثغرة يؤاخذ عليها من قبل المناقشين.

وعلى الرغم من أن المجالات والموضوعات المختلفة مفعمة بمشاكل متعددة تتطلب البحث والاستقصاء، وعلى الرغم من أن الاكتشافات الجديدة التي تتم في كل يوم تفتح إمكانيات لا حدود لها بالنسبة لمزيد من الدراسات والبحوث، إلا أن اختيار مشكلة مناسبة للبحث تعتبر أحد المهام الصعبة التي تواجه الباحث المبتدئ. ذلك لأن الطالب يميل إلى اختيار المشاكل العريضة في نطاقها، أو تلك التي تتعلق بجوانب أو أجزاء متفرقة من مشكلة معينة. إن اختيار المشكلة يجب أن تكون مهمة الباحث، وأن تكون المشكلة متفقة مع اهتماماته وأن يوافق عليها أستاذه أو المشرف على بحثه في نهاية صياغتها وتحديدها، وذلك حتى تكون المشكلة ذات دلالة كافية تبرر إنفاق الوقت والجهد المبذولين.

هذا ويؤكد المشتغلون بالبحث العلمي أن اختيار مشكلة البحث وتحديدها، ربما يكون أصعب من إيجاد الحلول لها.. كما أن هذا التحديد والاختيار، سيترتب عليه أمور كثيرة منها: نوعية الدراسة التي يستطيع الباحث أن يقوم بها، طبيعة المنهج الذي يتبع، خطة البحث وأدواته… بالإضافة إلى نوعية البيانات التي ينبغي على الباحث أن يتحصل عليها.

إن مشكلة البحث الملائمة يجب أن تكون ذات دلالة وأصالة، فضلاً عن إمكانية القيام بدراستها، كما يجب أن يقيم الباحث المشكلة المقترحة على ضوء قدراته وتوفر المعلومات والمتطلبات المادية للمشروع والوقت المتاح، والصعوبات الاجتماعية الأخرى التي يمكن أن تواجهه.

الفرع الأول: اختيار موضوع البحث (المشكلة)

يمثل اختيار موضوع البحث اللبنة الأولى في صرح البحث العلمي. وبقدر ما يأتي هذا الاختيار سليماً ودقيقاً بقدر ما يسهل على الباحث بعد ذلك الخوض في المراحل الأخرى في البحث دون مشقة كبيرة. ولذلك لم يكن من قبيل المبالغة تأكيد البعض على أن ” الاختيار الموفق لموضوع البحث هو نصف البحث، بحسبان أن تحديد أولويات المسائل والمشكلة الجديرة بالبحث من الأمور الهامة التي تذلل الكثير من الصعوبات التي قد تواجه الباحث ” ([1]).

ولعل اختيار موضوع الرسالة قد يبدو مهمة شاقة على الطالب، ولكن لا مانع أن يوجهه الأستاذ المشرف، ويقترح عليه، حتى يتمكن من اختيار موضوعه، فأغلب الأساتذة يدركون أن موضوعات كثيرة لا تزال في حاجة إلى من يدرسها ويخرجها للوجود- وكثيرون من هم يشغلون أنفسهم بإخراج واحد من هذه الموضوعات، ويتمنون لو اُتيح لهم أن يحصلوا على من يعمل معهم في الموضوعات الأخرى، ولكن الأساتذة يحرصون على أن يتركوا الطالب وحرية اختيار موضوعه، فإن إحساس الدارس الملح بوجود موضوع جدير بالدراسة أو شعوره بوجود مشكلة يراد حلها هما البداية المنطقية للقيام ببحث علمي أصيل، وقد أثبتت التجربة بين طلاب البحوث أن الذين يوفقون إلى اختيار الموضوعات بأنفسهم يكونون أكثر تفوقاً ونجاحاً وسعادة بالعمل، من أولئك الذين يُفرض عليهم بحث معين، وفي المقابل يحذر العلماء والباحثون اعتماد طالب الدراسات العليا اقتراحات الآخرين في اختيار موضوع البحث، والطريقة العملية في التوصل إلى اختيار بحث مناسب ان يتخير الباحث مجموعة من المصادر والكتب في حقل التخصص متنوعة بين قديم وحديث، تمثل مدارس فكرية متنوعة، ومناهج علمية مختلفة يعكف على تأملها ودراسة موضوعاتها بتأنٍ وروية ولن تخونه هذه الدراسة في اكتشاف عدد من البحوث والموضوعات التي تحتاج إلى زيادة في الدراسة والبحث، وسيجد بعد ذلك أمامه قائمة طويلة وعناوين كثيرة، يلقي بعد ذلك عليها نظرة فحص واختبار، ليقع اختياره على احدها مما يتوقع فيه مجالا واسعا للبحث والكتابة (41).

وإن حسن اختيار الموضوع أو المشكلة هو محور العمل العلمي الناجح، وليضع الباحث في اعتباره أنه سيكون محور نشاطه وبؤرة تفكيره لسنوات معدودة، بل ربما كان قرين حياته إذا استمرت نشاطاته الفكرية في اتجاهه، وليتوخى في الاختيار ما يوقعه من فوائد علمية في مجال التخصص أو أهمية اجتماعية تعود فوائدها على المجتمع يستحق ما يبذل له من وقت وجهد ومال، وفي سبيل اختيار موفق لدراسة موضوع علمي يستحسن أن يتفادى الباحث في هذا الاختيار الأمور التالية:

أولاً:- الموضوعات التي يشتد حولها الخلاف: حيث إنها بحاجة إلى فحص وتمحيص ومن الصعب على الباحث أن يكون موضوعياً في الوقت الذي تكون فيه الحقائق والوقائع مختلفاً فيها، إذ ليس البحث مجرد عرض آراء المخالفين والمؤيدين فقط.

ثانياً:- الموضوعات العلمية المعقدة: التي تحتاج إلى تقنية عالية لأن موضوعات كهذه ستكون صعبة على المبتدئ في هذه المرحلة.

ثالثاً:- الموضوعات الخاملة: التي لا تبدو ممتعة فإذا كانت المادة العلمية من الأساس غير مشجعة فإنها ستصبح عملا مملاً وعائقا من التقدم.

رابعاً:- الموضوعات التي يصعب العثور على مادتها العلمية: في مراكز المعلومات المحلية وبصورة كافية فليس من الحكمة أن يستمر الطالب في بحث تندر مصادره.

خامساً:- الموضوعات الواسعة جداً: فإن الباحث سيعاني كثيراً من المتاعب، وعليه من البداية أن يحاول حصره وتحديده بدلاً من طرحه كما خطر بباله.

سادساً:- الموضوعات الضيقة جداً: بعض الموضوعات قصيرة وضيقة، ولا تتحمل لضيقها تأليف رسالة علمية في حدودها، وسيصيب الباحث الكثير من العنت في معالجتها.

سابعاً:- الموضوعات الغامضة: يتبعها غموض الفكرة فلا يعرف الباحث ما الذي يمكن تصنيفه من المعلومات مما يدخلها تحتها، والأخرى التي يجب حذفها، وينتج عن هذا أن الباحث ربما قرأ الكثير مما ليس له صلة أو علاقة بالموضوع، وحينئذ يصعب أن يخرج برؤية وتصور واضح له.

ثامناً:- الموضوعات الميدانية: التي يغلفها شيء من السرية والغموض في الممارسة، وفي تفسير وتأويل نشاطها.

فإذا تم اختيار البحث على ضوء التعليمات السابقة، وهو الجانب الأول، فإن اختبار استعداد للباحث له في الجانب الآخر، فعليه أن يتلمس في نفسه مدى اعتماده على الكفاءة العلمية والرغبة الصادقة في البحث التي تزودها بالدافعية والحماسة في إنجاز بحثه (42).

ويمكننا أن نضع مقياساً لمعرفة ميل الطالب لدراسة موضوع ما، من خلال الأسئلة الأتية، فإذا كانت الإجابة بالنفي في أي من الأسئلة الآتية، فعليه المحاولة بالبحث في موضوع آخر، كسباً للزمن والجهد.

  • هل يستحق هذا الموضوع ما سيبذل فيه من جهد ؟
  • هل يقدم الجديد ؟
  • هل من الممكن كتابة رسالة عن هذا الموضوع ؟
  • هل امتلك من الطاقة في نفسي لأقوم بهذا العمل ؟
  • هل أحب هذا الموضوع وأميل إليه ؟

فليس كل موضوع يستحق المجهود الذي سيبذل فيه، وعلى هذا يجب أن يحرص الطالب الطموح على اختيار موضوع حي، لا يحصل به على الماجستير أو الدكتوراة فقط، بل يفخر بنشره وتقديمه للقراء بعد ذلك، فليست المسألة أن يكتب الطالب رسالة، أو ينال درجة، بل أن يخرج موضوعاً مفيداً يكون تذكاراً جميلاً لحياة الدراسة، وأثراً خالداً يتكافأ والوقت الذي قضي فيه والعناء الذي صادف من أجله، وقد يكون الموضوع مفيداً وطريفاً، ولكن المادة عنه غير متوافرة، ولا تكفي لتكوين رسالة، ومثل هذا الموضوع يصلح لمقال علمي ينشر في المجالات العلمية، ولكنه لا يكون موضوع رسالة.

والمقال العلمي من هذا النوع لا يختلف عن الرسالة إلا من ناحية، الكم، وأما السؤال عن طاقة الطالب في إنجاز بحثه، فيشير إلى حال الطالب وظروفه الخاصة، ويشتمل ذلك: اللغات التي يعرفها، والوقت الذي خصص لهذا العمل، ومقدرة الطالب المالية…، وخاصة في الدراسات الميدانية أو التطبيقية (43).

وأخيراً فإن موافقة المشرف على موضوع البحث هو حجر الزاوية، مما لا شك فيه أن أكتر المشرفين من الأساتذة على الرسائل العلمية، عندما يُعرض عليهم موضوع للموافقة عليه ينظرون أولاً إلى مدى استعداد الطالب للقيام بتلك الدراسة، وإلى توافر المادة العلمية، ومصادر البحث ثانياً، والمشرف الواعي هو الذي ينظر نظرة متساوية إلى الموضوع الذي وقع عليه اختيار الطالب بأنه مفيد ومهم، وإلى المستوى العلمي للطالب، ومدى استعداده لبحثه ومعالجة موضوعاته.

إن اختيار الموضوع لا يعني تلقائياً تحديده، وبخاصة في الموضوعات العلمية والثقافية ذات العلاقة بأكثر من علم أو فن، وحتى في الموضوعات المختصة بعلوم معينة، فإنها بحاجة إلى تحديد العناصر المطلوب دراستها، فلا بد أولاً، وقبل كل شيء، من صياغة الموضوع أو (المشكلة)، صياغة تتبين منها أبعاده، طبيعته، عناصره، الإشكالات حوله.

ومن كل هذه الأمور مجموعة يتوصل الباحث إلى تحديد الموضوع، أو المشكلة بصورة دقيقة، منها ننطلق الى وضع مخطط البحث، ومن المسلم به أن هذه المرحلة تعد من أصعب المراحل، وبخاصة بالنسبة للباحث المبتدئ، ويساعد على التغلب عليها ما يأتي:

  1. قراءة كل ما له صلة بالموضوع أو (المشكلة) من البحوث والكتابات بحيث يصبح على إلمام تام بكل ما كتب حولها، أو في مجالها.
  2. الاستفادة من الخبرات العملية التي اكتسبها خلال السنين من القيام بعمل من الأعمال إذا كان ذا صلة بموضوع البحث، أو المشكلة، مما يهيئ له كفاءة علمية جيدة في البحث.
  3. البحوث الماضية التي سبق للباحث القيام بها، وأما الباحث المبتدئ، فإن استيعابه قراءة المكتوب في الموضوع أو المشكلة، يعطيه الثقة بأهمية البحث، وأنه جدير بالدراسة، والبحث الجيد هو الذي يمد الباحث بالكثير من الأفكار، ويثير تساؤلات أكتر مما يقدم من إجابات (44) .

ويحدث في بعض الأحيان ألا يجد الطالب مادة كافية عن الموضوع الذي اختاره، أو يعرف أن هذا الموضوع قد درس من قبل على النحو الذي كان الطالب يزمع أن ينتهجه، أو يدرك صعوبة الحصول على بعض المراجع الأساسية في الموضوع، والواجب حينئذ أن يبادر بتغيير هذا الموضوع حتى لا يضيع الوقت فيما لا طائل تحته (45) .

الفرع الثاني: اختيار عنوان البحث

حيث إنه يتصل باختيار الموضوع تحديد عنوانه. ويمثل تحديد العنوان المدخل الرئيسي لانضباط الموضوع. فالعنوان هو الذي يبين حدود الموضوع ويشترط في العنوان أن يكون محدداً بمعنى أن يكون نصاً في الموضوع محل البحث.

ويجب أن يصاغ في صورة جملة تقريرية. وليس في صيغة استفهامية، أي في صيغة سؤال. ويجب على الباحث أن يختار العنوان بأقل قدر من الكلمات. فكلما كان العنوان صغيراً كلما كان ابلغ في تعبيره وبيانه([7]).

فالعنوان هو مطلع البحث، وهو أول ما يصافح نظر القارئ فينبغي أن يكون جديداً مبتكراً، لائقاً بالموضوع، مطابقاً للأفكار بعده، حتى تتبين معه شخصية الباحث واستقلاله، فهو الذي يعطي الانطباع الأول في عبارة موجزة تدل بمضمونها على الدراسة المقصودة بها.

ولأهمية عنوان البحث، فإن اللوائح الجامعية تمنع تغيير العنوان أثناء البحث وبعد تسجيله أو تعديله تعديلاً جوهرياً ويترتب على حدوث هذا أو ذاك تأخير مناقشة البحث لمدد تحددها اللوائح.

والعنوان الجيد هو الذي يراعي الأمور الآتية:

1- أن يكون مفصحاً عن موضوعه.

2- أن تتبين منه حدود الموضوع وأبعاده.

3- أن لا يتضمن ما ليس داخلاً في موضوعه.

4- إيحاؤه بالأفكار الرئيسة بصورة ذكية.

والدراسة العلمية المنهجية تقضي أن يحمل العنوان الطابع العلمي الهادئ الرصين، بعيداً عن العبارات الدعائية المثيرة، التي هي أنسب وأقرب بالإعلانات التجارية منها إلى الأعمال العلمية، كما يستبعد الباحث العناوين الوصفية والإنشائية المتكلفة التي لا تناسب أسلوب العصر الحديث.

حيث يفضل في اختيار العنوان أن يكون مرناً، ذا طابع شمولي بحيث لو استدعت الدراسة التعرض لتفريعاته، وأقسامه، لما اعتبر هذا خروجاً عن موضوعه، كما أنه لو اكتشف الباحث سعته سعة يضيق معها الزمن المحدد له لأمكن التصرف فيه بالاختصار، وعلى العكس من هذا لو كان العنوان مضغوطاً، ضيق الآفاق والحدود من البداية، فإن أي خروج عن منهجه يعد خطأ في المنهج، ابتعاداً عن الموضوعية، ولوضوح العنوان ودلالته على موضوع الدراسة موضوع اخر، ذلك أنه بعد استكمال البحث، وطباعته، فإنه سيصنف ضمن قوائم المكتبات، ويفهرس ضمن مجموعاتها بحسب العنوان، فلا بد من التأكد من تميز كلماته بحيث تكون مفتاحاً لمضمونه، دالة على موضوعه يساعد على تصنيفه وفهرسته بشكل صحيح(47).

المطلب الثاني: إعداد خطة البحث وتقسيمه

بعد تحديد موضوع البحث واختيار عنوانه، يشرع الباحث في إعداد خطة مبدئة لبحثه تمثل الإطار الموضوعي الذي يبدا الباحث من خلاله. وعلى ذلك فإن هذه الخطة المبدئية تعتبر المدخل الأساسي للبحث. ولا يمكن للباحث أن يحدد فروضها إلا إذا ألم بموضوع بحثه وتبين المشكلة الرئيسة التي تدور حوله على الوجه الذي سبق وبيناه.

الفرع الأول: خطة البحث

وتعد خطة البحث بلورة لكل ما يدور في ذهن الباحث من أفكار حول موضوع البحث وتتضمن هذه الخطة تحديد موضوع البحث ومشكلته، وحدود البحث وأهميته النظرية والعملية وما يستطيع الباحث الوصول إليه من خلال هذا البحث. وبيان المنهج أو المناهج التي سوف يتبعها الباحث في بحثه. والدراسات السابقة ومدى تطورها في موضوع البحث ([9]). والمراجع التي اطلع عليها، وذلك بالقراءة الواسعة في الكتب المتخصصة بالموضوع، وفي الموضوعات المهمة، فيتعرف إلى مدى عمق الموضوع وسعته، بالإضافة إلى أن مقالات الموسوعات تتضمن عادة لائحة بمصادر مفيدة في هذا المجال.

ويتضح مما سبق أهمية الخطة المبدئية وضرورتها إذ انها تبين بجلاء مدى قدرة الباحث على السيطرة على موضوع البحث ومقدار فهمه لهذا الموضوع. وإلمامه بجوانبه المختلفة. فالوريقات القليلة التي يضع فيها الباحث خطة البحث تبين بجلاء مدى قدرته على الاستمرار في البحث بسهولة ويسر من عدمه.

وتشمل خطة البحث المبدئية ما يلي:

  • مقدمة يبن فيها الباحث تعريف الموضوع ومبررات اختياره.
  • مشكلة البحث فيحدد مظاهر هذه المشكلة ومخاطرها وسبل مواجهتها والحلول القائمة لها وقصورها.
  • أهمية البحث سواء على المستوى العلمي أم المستوى النظري.
  • مناهج البحث المتبعة وأدواته.
  • مدة البحث: أي المدى الزمني الذي يجب الانتهاء فيه من البحث.
  • النتائج التي يستهدف البحث تحقيقها والحلول التي يمكن أن يخلص إليها لعلاج مشكلة البحث.
  • المراجع التي اطلع عليها الباحث. أو يريد الاطلاع عليها مستقبلاً كما يحدث عادة في البحوث المقارنة والتي تقتضي ضرورة سفر الباحث للحصول على هذه المراجع.

ويتضح مما سبق: أن الخطة المبدئية للبحث تختلف عن التقسيم إلى أبواب وفصول… الخ وهو أمر يخلط بينه الكثيرون ([10]). وهما أمران متميزان. فتقسيم البحث يعني توزيع مفردات الخطة على بناء هيكلي من أبواب وفصول ومباحث ومطالب وفروع ثم بنود، بترتيب منطقي وفقاً لقواعد وأسس علمية معينة تقتضي ضرورة ان يرتبط الجزء بالكل.

ولا تخفي أهمية هذا التقسيم الذي يعني انتظام البحث في سلسة منتظمة من الموضوعات المترابطة والمتناسقة فيما بينها لتوجيه جهد الباحث نحو بحث جميع جوانب المشكلة محل البحث من جميع جوانبها.

 

الفرع الثاني: تقسيم البحث

تقسيم البحث أمر منطقي؛ حتى يستقيم للباحث أن يتناول الجوانب المتعددة لمشكلة البحث. ويجب أن يخضع تقسيم البحث إلى اساس منطقي. بحيث يؤدي كل جزء دوره في نطاق الكل أي يجب أن يكون بينهما علاقة بحيث يكمل كل منها الآخر. فإذا غاب هذا التكامل فإن كل جزء يكون بحثاً مختلفاً تماما([11]).

وتقسيم البحث إما أن يكون تقسيماً ثنائياً: أي يقسم البحث إلى قسمين أو بابين أو فصلين حسب الأحوال. وإما أن يتخذ التقسيم شكل الأقسام المتعددة.

أولاً: التقسيم الثنائي:

يقوم التقسيم الثنائي على أساس تقسيم البحث إلى جزئين. وهما إما أن يكونا متقابلين أو متكاملين. ففي الصورة الأولى: يتناول الباحث مشكلته في إطار قسمين متقابلين أي يمثلان اتجاهين مختلفين في بحث المشكلة. ومن دراسة هذا التقابل بين الرأيين يخلص الباحث إلى نتائج محددة. قد تتمثل في أن يتبنى وجهة نظر أحد الرأيين او يوفق بينهما أو يطرحهما ويخلص إلى راي جديد.

أما الصورة الثانية: تقسيم البحث إلى قسمين متكاملين. وفي هذا التقسيم يرتبط كل قسم بالقسم الآخر. فقد يكون كلاهما مقدمة للآخر، وعلى سبيل المثال يمكن تقسيم موضوع ” الأداء التشريعي لمجلس الشعب والرقابة على دستورية القوانين في مصر” إلى قسمين، الأول: يتناول العوامل التي تؤدي إلى ضعف الأداء التشريعي لمجلس الشعب. وفي الثاني: اثر ضعف الكفاءة التشريعية لمجلس الشعب على قضاء المحكمة الدستورية العليا. وهو تقسيم يتكامل فيه القسمان.

ثانياً: التقسيم المتعدد للبحث:

وفي هذا التقسيم يُقسم البحث إلى اقسام متعددة أكثر من اثنين فقد يكون ثلاثة أو اكثر من ذلك حسب مقتضيات البحث.

ويفيد هذا التقسيم في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، إذ عن طريقه يتم تقسيم موضوع معين حسب مراحل حدوثه أو إجرائه.

ثالثاً: ضوابط تقسيم البحث:

يخضع البحث على الوجه السابق لمجموعة من الضوابط التي يجب على الباحث التقيد بها حتى يأتي تقسيمه إطاراً حاكماً لموضوعه. وتتمثل هذه الضوابط في ضرورة الالتزام بالإطار الشكلي المتعارف عليه في التقسيم. وأيضاً ارتباط التقسيم بالتسلسل المنطقي لأفكار البحث. فضلاً عن انضباط العناوين وتعبيرها عما تحتويه. وأخيراً توازن التقسيم.

رابعاً: مقدمة البحث وخاتمته:

يبدأ كل بحث عادة بمقدمة وخاتمة. وكلاهما يؤدي وظيفة مهمة جداً بالنسبة للبحث. وذلك كما يلي:

المقدمة:

يحدد فيها الباحث أهمية البحث، ومدى الحاجة العملية إليه، ومن سبقه إلى بحثه، أو الدراسات السابقة، والصعوبات التي اعترضته، والمنهج الذي سوف يستخدمه، كما تتضمن موجزاً للأفكار الرئيسة في كل فصل، والمجالات التي قصر فيها الباحثون دون أي تجريح، وضرورة ذكر الإيجابيات والسلبيات بحذر ودقة، وما يتوقع أن يأتي فيه بجديد في موضوعه (51).

حيث تمثل المقدمة مدخلاً للبحث بحيث تحدد لمن يقرأها اتجاه البحث ومضمونه وما يرمي إليه من أهداف. ومقدمة البحث على الرغم من أنها لا تحتل من البحث غير صفحات قليلة، إلا أنها يجب أن تمثل بانوراما تعطي القارئ انطباعاً شمولياً عن موضوع البحث وأسلوب الباحث والمنهج المتبع في الدراسة وعرض مختصر لخطة البحث.

وليس من المبالغ في شيء أن يقال: إن الباحث عندما يقوم بتنظيم خطة بحثه، شبه المهندس حينما ينظم خطة البناء تبعاً للغرض المطلوب من البناء، ووفقا للظروف المختلفة التي تحيط بالمشروع، فلكل من المسجد والمنزل والمسرح تصميم خاص، ثم يتدخل الغنى والفقر وموقع المكان، وظروف أخرى كثيرة، فيختلف المنزل في مكان أو لشخص عنه في مكان آخر، وكذلك يختلف تخطيط الرسائل اختلافاً بينياً تبعاً لموضوعاتها، والمادة التي كتبت عنها، والمدة المعينة لدراستها وللجامعة التي يتبعها الطالب، وغير هذه المؤثرات، ويمكن للطالب أن ينتفع بجهود من سبقوه، فإن مكتبات الجامعات تشمل مجموعة من الرسائل الناجحة، وهذه الرسائل يجب أن تكون عوناً كبيراً لطلاب الدرجات المماثلة، لأنها تلقي للطالب ضوءاً ينير له السبيل، ويجب ألا يكون مفهوماً أن كل الرسائل التي نجح أصحابها يمكن ألا تعد نموذجاً، فبعضها في مستوى عادي ليس من الخير أن يعتز به الطالب (52).

أما الخاتمة: فهي تأتي في نهاية البحث وفيها يخلص الباحث إلى النتائج التي توصل إليها في بحثه. والتوصيات التي يرى ضرورة الأخذ بها.

ويتبع الباحثون في صياغة الخاتمة أحد المذهبين، أحدهما يضمن الخاتمة فضلاً عن نتائج البحث وتوصياته ملخصاً لأبواب البحث ونقاطه الرئيسة وذلك بغرض إحاطة القارئ – بشىء من الإجمال – بمنهج البحث ونقاطه الأساسية. والثاني يقصر هذه الخاتمة على التوصيات والنتائج التي تمخض عنها البحث.

تحرير المقدمة والخاتمة:

قلنا إن المقدمة مدخل البحث وعين عليه، ترصد جوانبه ومنهجه في عبارات بليغة. والخاتمة درة البحث ويجب أن تتضمن توصياته ونتائجه. ولذلك فإن كتابة أي منهما لا يتسنى للباحث إلا في نهاية بحثه. ولذلك يجب عليه دائماً أن يؤخر كتابتها حتى ينتهي من كتابة جميع أجزاء البحث.

[1]) انظر: د. أحمد عبد الكريم سلامة: المرجع السابق: ص 62.

[2]) انظر: د. عبود عبدالله العسكري: المرجع سابق، ص 29.

[3]) انظر: د. عبد الوهاب إبراهيم ابو سلمان، المرجع سابق، ص، 40-41.

[4]) انظر: د. احمد شلبي: مرجع سابق: ص، 24-27.

[5]) انظر في هذا: د. إبراهيم ابو سلمان: المرجع سابق: ص، 42-43.

[6]) انظر في ذات المعنى: د. أحمد شلبي: المرجع سابق: ص، 32.

[7]) انظر: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 77.

[8]) انظر: د. عبد الوهاب إبراهيم ابو سلمان: المرجع سابق: ص،44-45.

[9]) انظر: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 79.

[10]) انظر: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 81.

[11]) د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 82.

[12])انظر: د. عبدالله العسكري: المرجع سابق: ص،34.

[13]) انظر: د. أحمد شلبي: المرجع سابق: ص، 33.

 قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.

 وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:

 تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.

 ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:

 تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.

 وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.

 وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:

المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.

المبحث الثاني: تجميع المعلومات.

وذلك على الوجه التالي:

سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.

وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.

وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).

ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.

وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:

[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.

قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.