المبحث الثالث: جزاء عدم توافر اتفاق صحيح للتحكيم


القانون الواجب تطبيقه على اتفاق التحكيم.

الاتفاق على التحكيم هو تصرف قانوني شأنه شأن أي تصرف قانوني آخر لابد أن يستند إلى قانون معين يمده بقوته الملزمة، وينظم وجوده، وآثاره، ومصيره.

لذلك فإن القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم هو الفيصل في كل ما يتعلق بوجوده وصحته.
وهناك اتجاهين رئيسيين في تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم..

الاتجاه الأول: 

ينحاز إلى تطبيق قانون مقر التحكيم 

أخذت محكمة النقض المصرية بالاتجاه الأول وقضت بأنه: 

" لما كان من الثابت أنَّ شرط التحكيم المدرج في سند الشحن قد نص على أن يحال أي نزاع ينشأ عن هذا السند إلى ثلاثة محكمين في مرسيليا، وكان المشرع قد أقر الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج، ولم ير في ذلك ما يمس النظام العام؛ فأنه يرجع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم، وترتيب آثاره إلى قواعد القانون الفرنسي باعتباره قانون البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه .

الاتجاه الثاني:

ينحاز إلى تطبيق قانون الإرادة الحاكمة للعقود بصفة عامة

وهو يقرر خضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة، لتقدير صحته من عدمه، لذلك قد يكون ذلك القانون هو قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم، أو أي بلد آخر بحسب اتفاق الأطراف، وبحسب قواعد الإسناد في ذلك القانون التي قد تشير إلى قانون الجنسية المشتركة، أو قانون الموطن المشترك، أو قانون البلد الذي تم فيه العقد، أو قانون البلد الذي يتم فيه تنفيذ العقد.

وهذا ما أخذت به اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من خلال نص المادة 5/1/1 على أن:

"تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لتحديد صحته من عدمه يكون طبقًا لاتفاق الأطراف؛ فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق يتم تطبيق قانون محل صدور حكم التحكيم ".

بذلك يتضح أن اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية قد جمعت بين الاتجاهين بحيث يكون الاتجاه الأول احتياطيًا للاتجاه الثاني.

أحكام بطلان اتفاق التحكيم

إذا كان اتفاق التحكيم باطلًا، أو قابلًا للإبطال بسبب مخالفة شروطه الموضوعية، أوالشكلية سواء أكان الاتفاق في صورة شرط، أو مشارطة، وإن كان القانون لم يحدد سببًا معينًا لبطلان، أو قابلية إبطال الاتفاق.

فإن القواعد المقررة بالنسبة للعقود بصفة عامة (عيوب إرادة, محل العقد, سببه) تنطبق هنا إلى جانب الشروط الخاصة باتفاق التحكيم المنصوص عليها في قانون التحكيم.

 مثل: (أهلية التصرف، وصلاحية الحق الموضوعي كمحل للتحكيم، وتحديد محل النزاع، وشرط الكتابة).

سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته 

إذا نص الاتفاق على أن إجراءات التحكيم تبدأ خلال مدة معينة من قيام المنازعة، أو توقيع الاتفاق؛ فإذا لم تبدأ قبل انقضائها سقط اتفاق التحكيم، وعاد الحق لكلا الطرفين في الالتجاء إلى محاكم الدولة.

اختصاص هيئة التحكيم بنظر بطلان اتفاق التحكيم (الاختصاص بالاختصاص) الاتجاه الحديث في التحكيم (في التشريعات الحديثة، ومن بينها تشريع التحكيم المصري الجديد لسنة 1994) هو إعطاء المحكم سلطة الفصل في المنازعات المتعلقة بأصل سلطته (اختصاصه) وبنطاق هذه السلطة.

بعبارة أخرى

هيئة التحكيم هي المختصة بالفصل في كل ما يتعلق بالدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها؛ فهي جهة الاختصاص التي تحكم في اختصاصها.

هذا المبدأ يعرف اصطلاحًا باسم:

"الاختصاص بالاختصاصCompetence de la competence".

فطالما اعتبر المحكم قاضيًا، والقاضي يملك سلطة التحقق من اختصاصه؛ فإن المحكم يملك نفس السلطة،
ويمنح المُشرع المصري صراحة هيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع الخاصة بعدم اختصاصها؛ فيكون لهيئة التحكيم دون غيرها ولاية الفصل في جميع الادعاءات التي تتناول أساس اختصاصها، ونطاقه.

تطبيقًا لذلك 

إذا آثار الخصوم منازعة أمام المحكم بشأن نطاق سلطة المحكم القضائية؛ فإن المحكم هو الذي يفصل في المنازعة المتعلقة بصحة، أو حدود مهمته (المادة 22/1 من قانون التحكيم المصري).

ولهيئة التحكيم نظر النزاع حتى ولو كان أحد أطراف العلاقة ينازع في اختصاصها على أساس التمسك ببطلان اتفاق التحكيم بطلانًا مُطلقًا، أو عدم وجوده ابتداء، أو سقوطه لأي سبب كاتفاق الطرفين لاحقًا على إلغاء شرط التحكيم من عقدهما الأصلي، أو إذا آثار أحد الخصوم مسألة وجود عيب في الرضا، أو بطلان الاتفاق على التحكيم إذا كان موضوع النزاع لا يجوز التحكيم فيه، أولمخالفته للنظام العام، أو عدم شموله لموضوع النزاع وفقًا لأحكام القانون المصري الواجب التطبيق.

ومن ناحية ثانية؛ فإنه طبقًا لمبدأ "الاختصاص بالاختصاص"، فإن هيئة التحكيم هي المختصة بالفصل في جميع المسائل المتعلقة بأساس سلطتها، واختصاصها، ومداه، وبصحته، أو بطلانه، وفي حالة وجود مثل تلك الدفوع تعين أن تًبدى تلك الدفوع أمام هيئة التحكيم ذاتها، وليس بدعوى قضائية أمام القضاء الوطني.

وإن كان يجوز لمن أبدى الدفع لدى هيئة التحكيم فرفضته بعد أن تصدر هيئة التحكيم حكمًا منهيًا للخصومة في التحكيم – أن يرفع دعوى مبتدأه ببطلان حكم التحكيم، طبقًا لنص المادة 53 من قانون التحكيم المصري، أو طلب رفض الحكم بتنفيذه إذا أقام الطرف الأجنبي دعوى في مصر طالبًا تنفيذ حكم التحكيم.

الاختصاص القضائي بنظر بطلان اتفاق التحكيم

القضاء يختص دومًا بنظر، وإشراف على عمليات التحكيم لكون التحكيم نظام بديل عنه؛ لذا فإنه على الرغم من أن القانون أعطى هيئات التحكيم، أو المحكمين الاختصاص بنظر صحة اتفاق التحكيم؛ فإن هذا لا يعني إلغاء اختصاص المحاكم بهذا الشأن فهذا الإعطاء هو إعطاء لاستثناء، والاستثناء لا يلغي العام إلا بنص صريح، وهذا ما لم يفعله المشرع، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في دراستنا لدور القضاء في الرقابة على حكم التحكيم.

الاتفاق على التحكيم لا يجوز إلا للشخص الطبيعي الذي يملك حق التصرف في حقوقه أي ممن تثبت في حقه أهلية الأداء ببلوغ الفرد واحد وعشرون سنة ميلادية، ولم يكن مصابًا بعارض من عوارض الأهلية 

التمسك بالبطلان مقرر لمصلحة القاصر، وهو بطلانًا نسبيًا لا يجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه.

لا تكفي الوكالة العامة في اتفاق التحكيم

بل لابد من وكالة خاصة تخول الوكيل سلطة الاتفاق على التحكيم، ولابد من أن تكون الوكالة مكتوبة، وهذه الوكالة لا تخول الوكيل سلطة تمثيل موكله في خصومة التحكيم بل فقط مجرد إبرام الاتفاق إلا إذا وكل توكيلًا خاصًا في تمثيله بخصومة التحكيم.

يحق للشريك المتضامن إبرام اتفاق التحكيم، ولو لم يفوض من الشركة في ذلك بمسئولية غير محدودة، أما الشريك الموصى، أو المدير غير الشريك المتضامن؛ فلا يجوز له قانونًا إبرام اتفاق التحكيم إلا بتفويض خاص.

لرئيس مجلس إدارة الشركة المساهمة، أو العضو المنتدب إبرام اتفاق التحكيم في حدود نشاط، وأغراض الشركة، كذلك لمدير الشركة ذات المسئولية المحدودة إبرام اتفاق التحكيم ما لم يرد نص صريح بعقد الشركة، أو نظامها يسلبه هذه السلطة، أو يقيدها. . وكذلك يكون للمصفي سلطة إبرام اتفاق التحكيم فيما تستلزمه أعمال التصفية.

يجوز للدولة، وللهيئات العامة المحلية، وللمؤسسات العامة أن تتفق على التحكيم في العقود التجارية، والمدنية التي تبرمها دون قيود أما بالنسبة للعقود الإدارية؛ فيكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص، أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك".

يجب أن يعين موضوع النزاع في اتفاق التحكيم، ويجب هنا أن يميز بين شرط التحكيم، ومشارطته؛ فالتعيين في الشرط هو تعيين عام لما قد يحدث مستقبلًا أما في المشارطة؛ فالتعيين يكون تعيينًا يخضع للقواعد، والشكل العام في التعيين.

يجب أن يكون محل الاتفاق على التحكيم جائز الاتفاق على التحكيم بشأنه، وقد اتفقت القوانين على أن الأمور التي لا يجوز فيها الصلح لا يجوز فيها التحكيم، وكذلك لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام.

أجمعت التشريعات العربية على عدم جواز التحكيم في مسائل الأحوال الشخصية، وإن جاز التحكيم بشأن الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية، كنفقة المتعة، وأجر الحضانة، وسكن الحضانة.

الكتابة شرطًا لصحة التحكيم؛ فلا يجوز التحكيم في أي مرحلة من مراحله بدون كتابة توثقه؛ فالكتابة شرط من شروط انعقاد التحكيم، ومن شروط صحة اتفاق التحكيم، ويترتب على تخلفها بطلان التحكيم.

هيئة التحكيم هي المختصة بالفصل في كل ما يتعلق بالدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها؛ فهي جهة الاختصاص التي تحكم في اختصاصها، هذا المبدأ يعرف اصطلاحًا باسم:

"الاختصاص بالاختصاص Competence de la competence"

المحكم، وهيئة التحكيم لهم اختصاص أولى بنظر صحة اتفاق التحكيم، وأيضًا المحاكم العادية تحافظ على سلطتها هنا؛ فمحكمة التحكيم العامة في القانون تختص كما تختص أيضًا محكمة بطلان حكم التحكيم، وأيضًا محكمة المنازعة الموضوعية، وأيضًا محكمة الأمر بتنفيذ حكم التحكيم.