اختلف
الفقه حول
الطبيعة
القانونية
للتحكيم ([1])،
وذلك على
التفصيل
التالي:
أولًا-
النظرية
التعاقدية:
ويرى أنصار
هذه النظرية
أن التحكيم له
طبيعة
تعاقدية.
اعتبر
البعض
التحكيم
عقدًا رضائيًا
ملزمًا
للجانبين من
عقود
المعاوضة،
ويرى أنصار
هذا الاتجاه
أن حكم
التحكيم يعتبر
جزءًا لا
يتجزء من
اتفاق
التحكيم، بل
أنه يندمج، ويذوب
فيه،
والمحكمون هم
أفراد يعهد
إليهم بمهمة
تنفيذ الاتفاق،
ولا يرتقوا
إلى مرتبة
القضاة.
ويسلم
أنصار النظرية
العقدية بأن التحكيم
يقوم أصلًا
على عمل من
المحتكمين،
وهو اتفاق
التحكيم زعمل
من المحكم وهو
الفصل في
النزاع –
لكنهم يرون أن
عمل المحكم لا
يقوم إلا بعمل
المحتكمين
باعتباره
مجرد تنفيذ له،
ومن ثم فإن
اتفاق
التحكيم
يستوعب،
ويستغرق
عملية
التحكيم
ذاتها، ويرون
أصحاب هذه
النظرية أن
نظام التحكيم
يقوم على أساس
إرادة الأطراف،
ومن ثم فإن له
طابع تعاقدي.
وقد
أيدت محكمة
النقض
الفرنسية حيث
أيدت الطبيعة
التعاقدية
للتحكيم،
وانسحاب هذه
الطبيعة إلى
كل من اتفاق
التحكيم،
وحكم
التحكيم،
وذلك في حكمها
الصادر في 27
يوليو سنة 1937م،
والذي جاء فيه
أن قرارات
التحكيم
الصادرة على
أسس مشارطة تحكيم
تكون وحدة
واحدة مع هذه
المشارطة،
وتشاركها في
صفتها
التعاقدية.
ويميل
القضاء
المصري إلى
ترجيح هذه
النظرية بقوله
أن قوام
التحكيم "
الخروج على
طرق التقاضي
العادية ".
عيوب
النظرية
التعاقدية:
لم
تخلو النظرية
التعاقدية من
العيوب ([2])، حيث
أنها:
1ـ تبالغ
في إعطاء
الدور الأساسي
لإرادة الأطراف،
ومن ناحية أخرى
فإنه ليس صحيحًا
أن التحكيم
وفقًا للعدالة
هو الأصل،
2ـ لأن أصحاب
الطبيعة
العقدية
للتحكيم لم
يستطيعوا أن يتفقوا
على طبيعة هذا
العقد، فهل هو
عقد من عقود
القانون
العام أم عقد
من عقود
القانون
الخاص.
وأما هذه
الاعتراضات
على نظرية
الطبيعة
التعاقدية
للتحكيم، فإن هذه
النظرية لم
تلق نجاحًا
كبيرًا.
ويرى
أنصار هذه
النظرية أن
الطابع
القضائي يغلب
على طبيعة
التحكيم ذلك
أنه قضاء إجباري
ملزم للخصوم
متى اتفقوا
عليه، وإن المحكم
لا يعمل
بإرادة
الخصوم وحدها
إنما عمله هو
عمل قضائي
شأنه شأن
العمل
القضائي
الصادر من
السلطة
القضائية
للدولة.
ويرى
أنصار هذه
النظرية أن
إعمال
التحكيم يعد
رهنًا باتفاق
الخصوم على
الالتجاء
إليه، ولكن
ذلك لا يؤثر على
جوهر وظيفته
القضائية،
ومن ثم فإن
هذا الاتفاق
هو من قبيل
العنصر
العارض فرضته
ظروف لا صلة
لها بوظيفة
التحكيم
وطبيعته،
وذهب أنصار
هذه النظرية
إلى أنه إذا
كان اختيار
التحكيم
وسيلة لحسم
النزاع يتم
بعمل إرادي من
طرفيه فإن
الالتجاء إلى
القضاء يتم
بعمل إرادي من
جانب أحدهما،
وقد يتفق
أطراف النزاع
على رفع النزاع
إلى محكمة غير
المختصة أصلًا،
وقد يتفق
أطراف
الخصومة على
النزول عن
الخصومة بعد
رفعها، وهذا
دليل على أن
ما تؤديه
إرادة الخصوم
من دور في طرح
النزاع على
التحكيم بدلًا
من القضاء،
وليس له من
أثر على حقيقة
الوظيفة التي
يؤديها
التحكيم من
كونها وظيفة
قضائية مثلها
في ذلك مثل
وظيفة قضاء
الدولة.
ويرى
أنصار هذه
النظرية أنه،
مادام جوهر
القضاء هو
تطبيق إرادة
القانون في
الحالة المعينة
بواسطة شخص
لاتتوجه إليه
القاعدة
القانونية التي
يطبقها –
فالتحكيم
يُعد قضاءً
عمل المحكم بهذه
الصفة يحل محل
قضاء الدولة
الإجباري([3]).
ـ عمل
المحكم هو عمل
قضائي شأنه
شأن العمل القضائي
الصادر من
السلطة
القضائية في
الدولة.
ـ
فمهمة المحكم
مهمة قضائية،
وحكمة يرتب
نفس الآثار
التي يرتبها
الحكم القضائي.
" إذا
كان التحكيم
يبتدئ في
مرحلته
الأولى بعمل
إرادي، وهو
شرط، أو اتفاق
التحكيم، فإن
هذا العمل في
رأي أنصار
الطبيعة
القضائية لا
يعدو أن يكون
مجرد فتيل
لوضع هذا
النظام موضع
الحركة التي
تهيمن عليها
طبيعتها
القضائية،
ويتحرك
بذاتيته
الخاصة، وشأن
هذا العمل الإرادي
للخصوم في
الالتجاء إلى
التحكيم لفض
منازعاتهم،
يطابق شـأن
ذلـك العمـل
الإرادي للخصوم
في الالتجاء
إلى قضاء
الدولة".
يستند
أصحاب هذا
الرأي إلى
الحجج
التالية:
ـ إن
التحكيم قضاء
استثنائي
مستثني من
الأصل العام
في التقاضي
أمام المحاكم
التي نظمها
القانون.
ـ إذا
حدث ورفعت
الدعوى أمام
المحكمة المختصة
كان للطرف
الآخر الحق في
الدفع بعدم الاختصاص،
لأن المحكمة
تنظر دعوى هي
من اختصاص
هيئة
المحكمين.
ـ
وذلك قياساً
على الأثر الذي
يترتب على رفع
نزاع معين أمام
محكمة معينة
غير مختصة أصلًا،
ولكن يجوز ذلك
استثناء كما
في الاختصاص
المحلي.
ثالثًا- الطبيعة
المختلطة
للتحكيم:
يرى
بعض الشراح أن
التحكيم ذو
طبيعة مختلطة.
. .
فهو
ذو طبيعة
مركبة؛ لأن
الأخذ بطبيعة
واحدة سواء
الطبيعة
العقدية، أو
الطبيعة
القضائية
يثير العديد
من المشاكل،
والصعاب في
التطبيق.
فالتحكيم
ذو طبيعة
عقدية
وقضائية معاً
فالتحكيم
وفقًا لهذا
الرأي ليس
اتفاقًا محضًا،
ولا قضاءً محضًا،
وإنما هو نظام
يمر في مراحل
متعددة يلبس
في كل منها
لباسًا خاصًا،
ويتخذ طابعًا
مختلفًا فهو:
(من
أوله اتفاق،
وفي أوسطه
إجراء، وفي
آخره حكم)
إلا
أن هذا الرأي
وجه إليه
النقد التالي:
إنه
رغم قيام هذه
الطبيعة
المختلطة
للتحكيم على
أساس تحليل
ورصد لما يؤثر
في التحكيم،
وهو أمر مهم
جدًا.
إلا
أن التحليل
القانوني يجب
ألا يقف عند
القول بأن
التحكيم ذو
طبيعة مختلطة،
أو خليط غير
متجانس، فمثل
هذا الوصف
يُعتبر بمثابة
اعتراف
بالعجز،
ومحاولة
للهروب من
مواجهة
الحقيقة.
ـ أن
القول
بالطبيعة
المختلطة
للتحكيم يؤدي
إلى خلط بين
حجية حكم
التحكيم،
وبين قوته
التنفيذية،
ـ
حجية الأمر
المقضي تثبت
لحكم التحكيم
بمجرد صدوره.
ـ أما
القوة
التنفيذية
فلا يحوزها
حكم التحكيم
إلا بصدور أمر
قضائي
بتنفيذه.
وأصحاب
هذه النظرية
يرون أن
التحكيم له
طبيعة مختلطة؛
فهو عقد
بالنظر إلى
الوجوه التي
تشتق من أصل التحكيم،
وهو العمل
الإرادي
للأطراف، وهو
قضاء بالنظر
إلى كون الحكم
الصادر يلزم الأطراف
بقوة غير
القوة
الملزمة
للعقد.
وقد عقب
على هذه
النظرية
البعض قائلًا:
بأن
هذا الوصف
يعتبر بمثابة
اعتراف
بالعجز ومحاولة
للهروب من
مواجهة
الحقيقة
بأبعادها المتعددة.
وعقب
آخر قائلًا:
أنه
من الصعب
النظر إلى التحكيم
كعقد؛ فالعقد
في حد ذاته لا
يحسم النزاع،
كما أن العقد
ليس هو جوهر
التحكيم
بدليل عدم
وجوده في التحكيم
الإجباري،
وإذا اعتبرنا
أن التحكيم يتسم
بالصيغة
الرضائية، أي
التعاقدية
فلا يمكن أن
تنسحب هذه
الصفة إلى حكم
التحكيم الصادر
في النزاع.
والواقع
أيضًا
أن النظرية
القضائية لا
تتفق، وطبيعة
التحكيم لأن
القضاء سلطة
عامة من سلطات
الدولة لا
يتولاها إلا
القاضي؛
فالمحكم لا
يتمتع بما
يتمتع به
القاضي من سلطة
كتوقيع
غرامات على
الخصوم، أو الشهود
فضلًا عن أن
الإجراءات قد
تختلف عن
الحكم الصادر
من القضاء؛
فهو لا يتمتع
به حكم القضاء
من قوة
تنفيذية
جبرية؛
فالحجية التي
يتمتع بها حكم
القضاء تحول
دون رفع دعوى
أصلية ببطلان
الحكم هلى
خلاف حكم التحكيم
والذي يجوز
فيه رفع دعوى
ببطلانه.
يصور
الاستاذ
كيوفندا،
مؤسس المدرسة
الايطالية
الحديثة في
فقه
المرافعات، طبيعة
التحكيم
كالتالي:
”يخول
القانون
للأفراد
اختيار أشخاص
خاصين للإعداد
للقرار
القضائي
فهولاء
الأشخاص يبحثون
بتفويض من
الخصوم عن
إرادة
القانون في الحالة
المعينة وهذا
البحث ليس عملًا
قضائيًا،
وإنما هو يكون
أحد عنصري
العمل
القضائي الذي
لايكتمل إلا
بالعنصر الثاني،
وهو عنصر
الأمر" ([4]).
وهذه
النظرية هي
الأخرى غير
جديرة
بالتأييد فيرى
بعض الفقه
فحقيقة أن
المحكم لا
يبحث عن إرادة
الأطراف،
وإنما يبحث عن
إرادة
القانون،
ولكن الصحيح
أن المحكم لا
يقتصر دورة
على البحث عن
هذه الإرادة،
وإنما يطبقها،
ولا يمنع من
هذا التضبيق
أن المحكم شخص
خاص، كما لا
يمنع من
اعتبار
التحكيم
قضاء، أما القاضي
فلا يفعل سوى إضفاء
القوة
التنفيذية
على الحكم.
ولهذا
فحكم التحكيم
يحوز حجية
الأمر المقضي بمجرد
صدوره، ولو لم
يصدر أمر
التنفيز. ([5])
خامسًا- الطبيعة
المستقلة
للتحكيم:
ذهب بعض
الشراح إلى القول
بأن التحكيم ذو
طبيعة خاصة
" فإذا
كان التحكيم
يعني الرغبة
في فض النزاع
بطريقة
ودية بين الأفراد؛
فذلك يعني أن نأخذ
عند تحديد
الطبيعة
القانونية للتحكيم
بفكرة مستقلة
عن النظم الداخلية.
ـ فاتفاق
التحكيم، وإن
كان عقدًا
يتمتع
بالخصائص
العامة
للعقود، إلا
أنه يتميز
عنها بهدفه،
وموضوعه.
هدفه
" ليس
إقامة علاقة
قانونية
مبتدأه بين
طرفين مالية
كانت، أو شخصية،
وإنما تسوية
النزاع
الناشئ عن
علاقة
قانونية سابقة".
وموضوعه
" ليس
التراضي على
تسويه نهائية
للنزاع محدده بذاتها،
وإنما إقامة
كيان عضوي ـ
فردًا كان أو هيئة
ترفع إليه ادعاءات
الطرفين
لتولي الفصل
فيها استقلالًا
عنهما".
أما عن
عمل المحكم "فهو
بالضرورة حسم
النزاع وفقًا للمبادئ
العامة التي
يضعها النظام
القانوني، وأهمها
مبدأ
المساواة،
ومبدأ
المواجهة إلى غير
ذلك من
المبادئ
القضائية، مع
دخول اتفاق التحكيم
في عداد الاتفاقات
المطروح
تطبيقها على
المحكم.
بمعنى
أن:
ـ على المحكم
أن يطبق شروط اتفاق
التحكيم مثله
في ذلك مثل
القاضي عندما
يطبق شروط عقد
معين متعلق
بالنزاع
المطروح
عليه،
خلاصة
القول:
"إن التحكيم
قضاء اتفاقي
يتقيد بنصوص اتفاق
التحكيم،
وبالنصوص
القانونية
التي يفترض
على المحكم الالتزام
بها".
لذلك. . . يجب
أن نبتعد عن
القوالب
التقليدية
لتحديد طبيعة
التحكيم؛ فهو
ظاهرة، وإن
سبقت القضاء
في الوجود،
إلا أنه ليس
أحد السلطات
العامة في
الدولة مثل
القضاء، كما
أنه لا يجوز
في كل منازعة.
ويثور
التساؤل الآن:
من أين يستقي
التحكيم هذا
الطابع الخاص
وهذه الذاتية المستقلة؟
ويجيب بعض
الشراح على
هذا التساؤل
ويقولون:
" إن التحكيم
لا يجد أساسه
في
القوانين
الداخلية
للدول فحسب،
وإنما أيضًا في
الاتفاقيات
الدولية، وأنظمة
ولوائح هيئات
ومراكز
التحكيم
الدائمة
المنتشرة في
مختلف دول العالم،
والتي يلجأ
إليها الأطراف في
صورة ما يعرف
بالتحكيم
النظامي. " ([6])