المبحث الثاني: طبيعة الاتفاق على التحكيم


أي اتفاق بين طرفيه هو بدون شك ذو طبيعة عقدية، وبالأولى فإن العقد هو اتفاق بين أشخاص أي أن العقد له طبيعة اتفاقية أيضًا.

ولكن هل يمكن القول بأن الاتفاق على التحكيم بصفته اتفاقًا هو عقد؟ 

الرد المباشر نعم إلا أن الاختلاف على مجمل طبيعة عملية التحكيم، وعلى طبيعة التحكيم كعمل جزائي لفض المنازعات جعل تفسير الطبيعة الخاصة بالاتفاق متأثرة بتفسير التحكيم ذاته.

فاتفاق التحكيم، وإن كان عقدًا يتمتع بالخصائص العامة للعقود إلا أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه. .

 فهدفه ليس إقامة علاقة قانونية مبتدأه بين طرفين سواء كانت مالية أو شخصية، وإنما تسوية النزاع الناشئ عن علاقة قانونية سابقة.

وموضوعه ليس التراضي على تسويه نهائية للنزاع محدده بذاتها، وإنما إقامة كيان عضوي (فردًا كان أو هيئة) تُرفع إليه ادعاءات الطرفين لتتولى الفصل فيها استقلالًا عنهما.

تأثير الطبيعة القانونية للتحكيم على الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم 

إذا كان المتفق عليه أن الاتفاق على التحكيم هو عقد يتم بين الطرفين، ويعتبر مظهرًا لسلطان إرادتهم.

إلا أن الأمر اختلط على بعض الآراء الفقهية بين ما يعد طبيعة قانونية للتحكيم كوسيلة استثنائية لفض النزاعات، وبين الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم.

الاتجاه الأول: الاتفاق على التحكيم ذو طبيعة إجرائية، ويعد عملا قضائيًا 

فقد ذهب بعض الفقهاء في إيطاليا مع تسليمهم باعتباره عقدًا، إلا أنهم يرون أنه عقد ليس له الطبيعة الخاصة بالعقود، وإنما له طبيعة إجرائية عامة، سندهم في ذلك أن عقد التحكيم يؤثر في الخصومة؛ فيمنع من عرض النزاع على القضاء، ويخول المدعى عليه الدفع بوجود اتفاق التحكيم فضلًا عن تنظيمة لخصومة التحكيم في النواحي التي ترك القانون للأفراد حرية تنظيمها.

وهذا الرأي مردود عليه بالآتي: 

ـ مخالفة الواقع والقانون؛ فالاتفاق على التحكيم لا يعدو كونه عقدًا من عقود القانون الخاص خاضع للقواعد العامة التي تحكم العقود، وهي قواعد القانون المدني.

ـ لا يمكن إضفاء تلك الطبيعة على اتفاق التحكيم؛ لأنه اتفاق ينعقد قبل بدء الخصومة فلا يمكن اعتباره عنصرًا من عناصرها، ومن غير المتصور أن يأخذ صفة العمل القضائي.

 وحيث أن المشرع ساوى بين شرط التحكيم، ومشارطته، ولا يفرق في الشروط، وفي طبيعة كل منهما عن الآخر، ومادام أن شرط التحكيم يتم مستقلًا، وقبل البدء في الإجراءات مما يجعله ذا طبيعة عقدية خالصة، فإن مشارطة التحكيم تأخذ ذات الحكم من حيث كونها ذات طبيعة تعاقدية محضة حتى، وإن أبرمت بعد بدء الإجراءات ذات الطبيعة القضائية.

الاتجاه الثاني: الطبيعة التعاقدية للتحكيم 

مردود عليه بأن الطبيعة التعاقدية لا تنطبق إلا على جزء من التحكيم، وهو الاتفاق، ولا يمكن إضفاؤها على التحكيم ككل، وإلا نكون بذلك قد خالفنا ما قصده المشرع من إضفاء طبيعة الأعمال القضائية على التحكيم، ومنحه كافة مقومات العمل القضائي، وإنما يختلف عنه فقط في الشخص القائم به، أما ماعدا ذلك من آثار فلا يختلف التحكيم عن الأعمال القضائية.

وترتيبًا على ما تقدم فإن الاختلافات حول الطبيعة القانونية للتحكيم لم تؤثر في الطبيعة التعاقدية الثابتة لاتفاق التحكيم بصورتيه الشرط والمشارطة؛ فالقانون 27 لسنة 1994 قد أخضع اتفاق التحكيم للقواعد العامةـ النظرية العامة للالتزام خاصة أحكام العقد.