المبحث الثاني: التكييف القانوني لعلاقات أطراف التحكيم


التكييف القانوني لعلاقة المُحكم بالأطراف

فقد ذهب الفقه في هذا الصدد إلى مناحي شتى.

فكيّفها البعض على إنها من قبيل الوكالة.

لكن هذا الرأي لاقى انتقاد غالبية الفقه وذلك للآتي:

1ـ استقلال المُحكم عن الخصوم على نحو ينفي فكرة الوكالة، فالوكالة تقوم على التزام الوكيل بعمل قانوني لحساب موكله، والخضوع لتعليماته، وأوامره في حين أن المُحكم رغم أنه يتلقى أتعابًا من الأطراف إلا أن لا يمثلهم.

2ـ القرار يصدر باسم المُحكم، وليس باسم الأطراف.

3ـ لا يملك أحد الأطراف الاستقلال بعزل المُحكم بإرادته المنفردة.

4ـ الوكيل لا يحسم نزاعًا بين الخصوم، وإنما يعبر عن مصالحهم، والمُحكم تمنعه صفته من أن يكون وكيلًا لأحد الأطراف، أو ممثلًا لمصالحه

5ـ رابطة الوكالة تقتضي وجود رابطة تبعية تحول دون قبول الوكيل كمحكم عند وقوع النزاع حتى لو توافرت ضمانات الحياد والنزاهة في الوكيل.

لجأت بعض الآراء تفاديًا لهذه الانتقادات إلى ابتداع معنى جديد لفكرة الوكالة تقوم على "المصلحة المشتركة" التي تجمع أطراف النزاع.

وقد استند هذا الرأي على استقلال المُحكم، وعدم إمكانية عزله إلا بموافقة جميع الخصوم.

 ولما كان تعارض مصالح الخصوم يحول دون قبول فكرة المصلحة المشتركة فقد كيّفها البعض على إنها عقد تأجير خدمات.

إلا أنه لاقى النقد أيضًا؛ فهو اتجاه يناقض فكرة استقلال المُحكم الذي قد ينتهي إلى إصدار حكم ضد مصالح الطرف الذي اختاره.

عقد المقاولة

ولو قارنا علاقة المُحكم، والأطراف بأطراف عقد المقاولة سنجده ينطبق في بعض الوجوه إذا ما نظرنا إلى ما في هذا العقد من عنصر الاستقلال الذي يتمتع به المُحكم في ممارسته لمهمته دون الخضوع لرأي الأطراف.

إلا أن الاختلاف بينهما يتضح في اختلاف الأعمال المادية التي يؤديها المقاول عن الأعمال الذهنية، والقانونية التي يؤديها المحكم، وانتفاء عنصر المضاربة بالنسبة للمحكم.

 عقد العمل

لو كيّفنا العلاقة بأنها عقد عمل؛ فهناك اختلاف جوهري يتمثل في:

أن محل العقد هو القيام بمجهود ذهني، وليس بدنيا فضلًا عن وجود علاقة تبعية تفرضها علاقة العمل لا تتوافر بالنسبة للمحكم الذي يتمتع باستقلال في مواجهة الأطراف، وهذا الاستقلال الفني لا يتعارض مع خضوع المُحكم لاتفاق الأطراف، أو لأحكام القانون.

علاقة الأطراف بمراكز التحكيم

مراكز التحكيم في معظمها، وإن لم يكن كلها هى:

"مراكز إدارية تختص في مجمل عملها باختيار هيئة التحكيم نيابة عن الأطراف، ثم بعد ذلك تتولى رقابة سلوك المحكمين أثناء أداء عملهم من خلال قواعد سلوك عامة، تضعها أثناء إنشائها، وتصديقها، وإشهارها العام، وفي النهاية هي التي تختص بتحديد أتعاب المُحكمين وتحصيلها"

هناك نوعان من مراكز التحكيم

            مراكز التحكيم الوطنية

هى مراكز وسيطة لا ترقى أن تكون محاكم في دولة؛ فالقواعد الدستورية العامة تقضى بشيئين بالنسبة للسلطة القضائية، وأي سلطة داخل الدول عمومًا هي:

 أنه سلطة عمومية أي إنها وظيفة عامة، وواحدة لا مجزأة في إطارها العام أي أنها لا تصلح أن تصبح عملًا خاصًا.

إذن. . . .

مراكز التحكيم لا تملك سلطات المحاكم داخل إطار عملها، ولا حتى تملك سلطات النقابات المهنية على أعضائها.

 فهي شركات خدمية وسيطة تسهل إجراء عمليات التحكيم كنوع من أنواع الوساطة، وهي ليست وكيله عن أيًا من أطراف المهمة التحكيمية.

مراكز التحكيم الإقليمية والدولية

وهى تشكل بموجب اتفاقيات إما على المستوى الإقليمي، مثل مركز عمان للتحكيم المشكل للتحكيم بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

وإما هيئات دولية مستقلة تتمتع بتكييف خاص ينأى بها عن مجرد دور الوسيط إلى دور المنظمة الدولية، أو على الأقل أحد لجان المنظمات الدولية، وهذا ما يضفي الطابع الدولي على أعمالها.

وبالتالي:

فهي تخضع لقواعد تنازع الاختصاص في القانون الدولي الخاص، وهي لها الحق في تكوين هيئاتها الدولية الخاصة، التي يمثل أمامها الأطراف متقيدين بالطبيعة الخاصة لمثل تلك الهيئات.

المحكمين غالبًا ما يكونوا مستقلين عن مراكز التحكيم، يتبعونها فقط في تقيدهم بأداء المهمة التحكيمية وفق قواعد السلوك المفروضة عليهم من قبل المركز، والتي لا تتعدى تنظيم سلوكيات المحكمين مما يضمن التقيد بالقواعد العامة للتقاضي التي تنطبق على التحكيم من حيدة ونزاهة المحكمين، مما يضمن حسن أداء المهمة التحكيمية.

إذن. . . .

هي علاقة اتفاقية تعاقدية تلعب فيها مراكز التحكيم دور المشرف المحايد الذي لا يجب أن يتدخل في أداء المحكمين لعملهم إلا بالقواعد التنظيمية.

وهي لا تتدخل أبدًا في اختصاصات المحاكم الطبيعية المشرفة على التحكيم.

لا تستطيع أن تفرض عقوبات جزائية على المحكم، وتقتصر فقط على العقوبات الإدارية، أو الأخلاقية، حسب مركز المُحكم منها وحسب طبيعة خطأ المحكم.

ومراكز التحكيم في وضعها الدولي مثل هيئه التحكيم الدولية بلندن يمكن أن تلعب دورًا إشرافيًا على عمل المحكمين؛ فهي تختص بنظر طلبات العزل، والرد، والطعن.