المبحث الثاني: عدم جواز رفع دعوى بطلان الأحكام الصادرة قبل الحكم المنهي لخصومة التحكيم

الباب السادس: دعوى بطلان حكم التحكيم

الدرس الأول: محل دعوى البطلان            

المبحث الثاني: عدم جواز رفع دعوى بطلان الأحكام الصادرة قبل الحكم المنهي لخصومة التحكيم

قد تصدر أثناء سير خصومة التحكيم، أحكام قبل صدور الحكم المنهي للخصومة كلها كالحكم بإحالة بعض المسائل الفنية إلى خبير.

 أو أحكامًا متعلقة بالإجراءات لا تنهي الخصومة كما لو حكمت بوقف الخصومة.

 وقد تصدر أحكامًا وقتية، تمنح بموجبها حماية وقتية لأحد الطرفين كالحكم بنفقة وقتية، أو الحكم بفرض الحراسة القضائية على المال محل النزاع، وتعيين أحد الطرفين حارساً عليه،

 كما قد تصدر أحكامًا قطعية تحسم بعض أوجه النزاع بين الطرفين.

فهل يمكن رفع دعوى ببطلان أي من هذه الأحكام فور صدورها، أم يلزم انتظار الحكم المنهي للخصومة كلها؟

المبدأ العام:

المبدأ العام الذي يجب الأخذ به بالنسبة لأحكام المحكمين هو عدم جواز رفع دعوى بطلان حكم تحكيم صدر أثناء سير الخصومة إلا بعد انتهاء خصومة التحكيم، ومع الطعن في الحكم المنهي للخصومة كلها([1]) ([2]).

وذلك للاعتبارات التالية:

1 ـ أن دعوى بطلان حكم التحكيم ليست جزءاً من الدعوى أمام هيئة التحكيم، وإجراءاتها ليست جزءًا من خصومة التحكيم؛ فدعوى البطلان تنشأ بعد صدور حكم تحكيم ضد أحد الطرفين، وهي لهذا لا تدخل في ولاية هيئة التحكيم.

2        ـ ضرورة تحقيق الهدف من نظام التحكيم؛ فمن أهم أهداف الالتجاء إلى التحكيم هو سرعة الفصل في النزاع.

وتحقيق هذا الهدف يقتضي عدم تقطيع أوصال القضية بين هيئة التحكيم، وبين محكمة الدولة، وهو ما يحدث إذا أجيز رفع دعوى بطلان فورية بالنسبة لكل حكم يصدر أثناء خصومة التحكيم.

3 ـ ضرورة تجنب دعاوي بطلان لا حاجة إليها:

فالحكم الصادر أثناء سير الخصومة قد يصدر لصالح أي من الطرفين؛ فيبادر الطرف المحكوم عليه برفع دعوى ببطلانه دون انتظار الحكم المنهي للخصومة في حين أن هذا الحكم الأخير قد يصدر لصالحه.

ولهذا فإن إجازة رفع دعاوي بطلان فورية في الأحكام الصادرة أثناء سير الخصومة، قد يؤدي إلى رفع دعاوي بطلان لا حاجة إليها مما يشغل المحاكم دون جدوى.

فالمبدأ العام هو عدم جواز رفع دعوى بطلان حكم تحكيم صدر أثناء سير الخصومة، ولم تنته به الخصومةإلا مع الطعن في الحكم المنهي للخصومة كلها.

وينطبق هذا المبدأ على الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم أثناء سير خصومة التحكيم، ولا تنتهي بها الخصومة كلها سواء ..

تعلقت بالإجراءات: كالحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص، والحكم بانقطاع الخصومة، أو تعلقت بالإثبات كالحكم بندب خبير، أو بجواز الإثبات بدليل معين، أو بتوجيه يمين.

أو تعلقت بقبول الدعوى: كالحكم الصادر بعدم قبول الدعوى لانعدام صفة المدعي([3]) أو برفض الدفع بالتقادم.

أو تعلقت بموضوع النزاع: فهذه كلها لا يجوز رفع دعوى فورية ببطلانها.

تنبيه:

الأحكام المتعلقة بالموضوع، والتي لا تنتهي بها الخصومة كلها لا يجوز رفع دعوى فورية ببطلانها، ولو كان الحكم قطعيًا حسم النزاع بالنسبة لشق من الموضوع، أو فصل في طلب من الطلبات.

مثال:

ـ الحكم الصادر بحل الشركة، وتعيين مصفٍ.

ـ الحكم بتقرير مسئولية المدعى عليه.

ـ الحكم بتكييف العقد تكييفًا معينًا.

ـ الحكم بتحديد القانون الواجب التطبيق.

استثناء الأحكام الصادرة بإجراء وقتي:

خول قانون التحكيم هيئة التحكيم السلطة في أن تصدر أثناء سير الخصومة "أحكامًا وقتية، وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها.

 مثال:

إصدار حكم بفرض الحراسة على المال محل النزاع.

إصدار حكم بإلزام المحتكم ضده بدفع نفقة وقتية للمحتكم حتى يفصل في النزاع.

ملحوظة:

من الواضح أن الحكم الوقتي لا يعتبر حكماً قطعيًا، ومع ذلك إذا أصدرت هيئة التحكيم حكمًا بإجراء وقتي؛ فإن هذا الحكم يقبل رفع دعوى فورية ببطلانه دون انتظار صدور الحكم المنهي للخصومة كلها.

وعلة هذا

( أ) أن الحكم بالإجراء الوقتي لا أثر له بالنسبة للفصل في الدعوى الموضوعية.

ومن ثم؛ فإنه لا مبرر لتأجيل رفع دعوى البطلان حتى يصدر الحكم المنهي لخصومة التحكيم كلها([4]).

(ب) أن تأخير رفع الدعوى ببطلان هذا الحكم إلى حين صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، قد يضر المحكوم عليه ضررًا جسيمًا إذ يجري تنفيذ الحكم ضده بعد الحصول على أمر بتنفيذه دون أن يتمكن من التمسك ببطلان الحكم في وقت مناسب.

الأحكام الصادرة بوقف الخصومة:

الحكم بالوقف لا يعتبر حكمًا تحكيميًا بالمعني الصحيح، وبالتالي فإنه – لهذا السبب – لا يجوز أن يكون محلا لدعوى بطلان أحكام المحكمين.

الأحكام الجزئية القابلة للتنفيذ الجبري:

وقد أجازت المادة 42 من قانون التحكيم لهيئة التحكيم "أن تصدر أحكامًا في جزء من الطلبات، وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها".

فهل يمكن رفع دعوى بطلان فورًا في أحكام التحكيم الجزئية، إذا كانت أحكامًا قابلة للتنفيذ الجبري.

وفقًا للتنظيم الذي وضعه المشرع المصري لدعوى بطلان أحكام التحكيم، فإن الأحكام الجزئية لا تقبل رفع دعوى ببطلانها فورًا، ولو كانت أحكام إلزام.

ذلك أنها لا يمكن أن تكتسب وصف الأحكام القابلة للتنفيذ الجبري "عند رفع الدعوى" وهو ما يؤدي إلى عدم قبولها.

 



 1 - ينظر: دعوى بطلان أحكام هيئة التحكيم الصادرة قبل الحكم المنهي للخصومة – د. فتحي والي – مجلة التحكيم العربي العدد الأول مايو 1999ص 77 وما بعدها.

2 - نقض تجاري – 13 ديسمبر 2005 في الطعن رقم 648 لسنة 73ق استئناف القاهرة – دائرة 91 تجاري -29/4/2003 في الدعوى رقم 1 لسنة 120ق، وتطيقًا لذلك قضت المحكمة بعدم قبول دعوى بطلان حكمين صادرين من هيئة تحكيم برفض الدفع بعدم قبول إجراءات التحكيم لرفعها من غير ذي صفة، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان لعدم اللجوء قبل التحكيم الى لجنة فض المنازعات، استئناف القاهرة (91 تجاري) 28/2/2004 في القضية 58 لسنة 120 ق تحكيم، وقضت بعدم قبول دعوى بطلان حكم تحكيم رفض طلبًا وقتيًا لرفعها قبل صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، أي قبل الأوان استئناف القاهرة الدائرة 91 تجاري 26/1/2005 في الدعوى رقم 72 لسنة 120ق. تحكيم وقضى بعدم قبول دعوى بطلان الحكم الذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبرفض الدفع بعدم الاختصاص، لرفعها قبل الأوان. 27/2/2005 في الدعوى 55 لسنة 121ق. تحكيم، وقضي بعدم قبول دعوى بطلان الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبرفض الدفع بعدم الاختصاص، لرفعها قبل الأوان. 27/2/2005 في الدعوى 55 لسنة 121ق. تحكيم، وقضي بعدم قبول دعوى بطلان الحكم برفض الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لرفعها قبل صدور الحكم المنهي للخصومة. و 30/3/2005 في الدعوى 79لسنة 121ق. تحكيم، وقضي بعدم قبول دعوى البطلان في الحكم التحكيمي الجزئي الذي يحكم برفض طلب المدعي التأجيل لإدخال خصوم آخرين في التحكيمي لأنه لم ينه الخصومة التحكيمية كلها. و 30/5/2005 في الدعوى 23 لسنة 121ق تحكيم. وقضي بعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم برفض الدفع بعدم قبول طلب تحكيم لرفعه على غير ذي صفة، وبرفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي إذ هذا الحكم لم ينه الخصومة كلها.

1 - نقض تجاري 13 ديسمبر 2005ق الطعن 648 لسنة 73ق.

1 - بيرو: المقالة السابقة ص 115-116. عكس هذا: حيثيات حكم استئناف القاهرة – 91 تجاري – 28/2/2004 في الدعوى 58 لسنة 120ق. وقد قضي بعدم قبول دعوى بطلان حكم تحكيم فصل في شق مستعجل لرفعه قبل الأوان، على أساس أن قاعدة عدم جواز رفع دعوى بطلان قبل صدور الحكم المنهي لخصومة التحكيم كلها لا يرد عليها أي استثناء. وقد استند هذا الرأي إلى 1- ان المشرع في قانون التحكيم المصري قصر دعوى البطلان في المواد 52و 53 و 54 على الإحكام التي تنتهي بهاه الخصومة كلها. 2- أن هذا النهج يتفق مع ما ينص عليه قانون المرافعات المصري في المادة 212 بالنسبة لأحكام المحاكم. 3- الرغبة في منع تقطيع أوصال القضية الواحدة وزيادة النفقات. والواقع أن قانون التحكيم في المواد 52، 53، 54 المنظمة لدعوى البطلان قد نظم دعوى بطلان حكم التحكيم دون اشتراط أن يكون منهياً للخصومة كلها. إنما جاءت الإشارة إلى دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها في المادة 22/3 تحكيم المتعلقة بعدم جواز الطعن في الحكم الصادر برفض الدفوع بعدم الاختصاص إلا مع دعوى بطلان الحكم المنهي للخصومة كلها. أما المادة 212 مرافعات مصري، فانها تستثنى بعض الأحكام غير المنهية للخصومة ومنها الإحكام الوقتية أو المستعجلة فالقياس عليها يوجب الأخذ بهذا الاستثناء لنفس العلة. خاصة أن إجازة دعوى البطلان بالنسبة للحكم المستعجل لا يؤدي إلى تقطيع أوصال القضية ولا يتأثر الحكم فيها بالحكم في الموضوع كما قدمنا.