المبحث الثاني: سلطة المحكمة في تشكيل هيئة التحكيم


اختيار المُحكم بواسطة المحكمة

اعتبار التحكيم عمـل إرادي يعني ضمن ما يعني حق أطراف النزاع التحكيمي في اختيار المُحكم دون أدنى تدخل فيها.

ولكن إذا فشلت الإرادة الحرة المنفردة لأطراف النزاع في تشكيل الهيئة التحكيمية، واختلف الخصوم على اختيار المحكمين، أوعلى كيفية ووقت اختيارهم؛ فإن المحاكم العادية تتدخل في عملية التحكيم، وتقوم هي بتعيين المحكمين.

أما إذا تلاقت الإرادة الحرة لأطراف المنازعة على تعيين، وتشكيل الهيئة التحكيمية؛ فإن دور المحاكم ينحصر في الحكم في مدى صحة الإرادة فقط دون التطرق لأشخاص المحكمين إلا في حدود ما شرع لهم القانون الإجرائي العام المنظم لتلك المسائل

وقد اتفقت معظم القوانين الداخلية، والاتفاقيات الدولية على منح المحاكم الطبيعية (السلطة القضائية) اختصاصا محددًا في هذا المجال ([1])

الحالات التي تستدعي تعيين المُحكم بواسطة المحكمة

القانون المصري

 قد نص المادة 17 من قانون التحكيم المصري على من حالات اختصاص المحاكم في عملية تشكيل هيئة التحكيم وقضت بأن:

 "1ـ لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم فإذا لم يتفقا اتبع ما يأتي:

أـ إذا كانت هيئة التحكيم مُشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين.

ب ـ إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكمًا، ثم لميتفق المحكمان على اختيار المُحكم الثالث.

فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الثلاثين يومًا التالية لتسليمه طلبًا بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المُحكم الثالث خلال الثلاثين يومًا التالية لتاريخ تعيين آخرهما.

تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين، ويكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان، أو الذي اختارته المحكمة" رئاسة هيئة التحكيم، وتسري هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين.

2ـ وإذا خالف أحد الطرفين إجراءات اختيار المحكمين التي اتفقا عليها، أو لم يتفق المحكمان المعينان على أمر مما يلزم اتفاقهما عليه، أو إذا تخلف الغير عن أداء ما عهد به إليه في هذا الشأن تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون، ولا يقبل هذا القرار الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن. "

فى دولة الإمارات العربية المتحدة

 الوضع لا يختلف كثيرًا عن مصر، فقد قضت المادة رقم 204 من القانون رقم 11 لسنة 1992 نشأن المرافعات المدنية بأنه:

"إذا وقع النزاع، ولم يكن الخصوم قد اتفقوا على المحكمين، أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين المتفق عليهم عن العمل، أو اعتزله، أو عزل عنه، أو حكم برده، أو قام مانع من مباشرته له، ولم يكن هناك اتفاق في هذا الشأن بين الخصوم عينت المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع من يلزم من المحكمين، وذلك بناءً على طلب أحد الخصوم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويجب أن يكون عدد من تعينهم المحكمة مساوياً للعدد المتفق عليه بين الخصوم أو مكملاً له.

وقد قضت محكمة تمييز دبي 1993 بأنه:

"إذا كان نص الفقرة الأولى من المادة 204 من قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات العربية على أنه إذا وقع النزاع ولم يكن الخصوم قد اتفقوا على المحكمين. . عينت المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع من يلزم من المحكمين وذلك بناء علـى طلب أحد الخصوم … قد ورد عامًا دون قيد فإنه يكون هو الواجب التطبيق، ولو كان الاتفاق على التحكيم في دولة أجنبية ([2])

وقضـي أيضًا بأنه:

 متى اتفـق الخصوم على الالتجاء إلى التحكيم بفـض مـا قد ينشأ من منازعات، وقاموا بتعيين شخص المحكم؛ فإنه يتعين إعمال شرط التحكيم، والالتزام بعرض النزاع على المُحكم الذي تم اختياره بمعرفتهما، ولا يحق لأي من أطراف النزاع الالتجاء إلى المحكمـة المختصة لتعيين محكـم آخر خلاف من اتفقوا عليه إلا إذا امتنع هذا المُحكم عن العمل، أو اعتزله، أو عزل عنه، أو حكـم برده، أو قـام مانـع من مباشرتـه لـه طالما لا يوجد اتفاق بين الخصوم في هذا الشأن إعمالًا لنص الفقرة الأولى من المادة 204 من قانون الإجراءات المدنية([3])

وفى سورية تنص المادة (14) من قانون التحكيم:

 على الحالات التي قد تستدعي تعيين المُحكم بواسطة المحكمة هي:

آ) إذا اتفق طرفًا التحكيم على تشكيل هيئة التحكيم من مُحكم فرد ولم يتفقا على اختياره، وعجزًا عن هذا الاختيار بعد ذلك تولت المحكمة المختصة اختياره بناءً على طلب أحد الطرفين (م14ـ1/أ) تحكيم.

علمًا بأنه إذا كان الطرفان قد اتفقا على إجراءات معينة لاختيار المُحكم وجب اتباع هذه الإجراءات، وامتنع الالتجاء إلى المحكمة لاختياره قبل استنفاذها.

ب) إذا اتفق طرفًا التحكيم على تشكيل هيئة تحكيم من ثلاثة محكمين، أو أكثر، ولم يكن هناك اتفاق عليهم بالاسم، أو الصفة، أو على كيفية اختيارهم سواء باتفاق التحكيم، أو باتفاق لاحق.

في هذه الحالة يقوم كل طرف باختيار أحد المحكمين، أو نصف عددهم، ويتولى المحكمان المختاران من الطرفين، - أو المحكمون المختارون من قبلهما في حال زيادة العدد عن الثلاثة ـ اختيار المُحكم المرجح.

فإذا لم يقم أي من الطرفين باختيار محكمه، أو محكميه خلال الثلاثين يومًا التالية لتسلمه طلبًا بذلك من الطرف الآخر، أو اختار الطرفان محكميهما، ولم يقم هؤلاء باختيار المُحكم المرجح خلال الثلاثين يومًا التالية لتعيين آخرهم، تولت المحكمة المختصة بالقيام بهذا الاختيار بناءً على طلب أحد الطرفين.

علمًا بأنه مجرد انقضاء المهل المنوه عنها أعلاه، وتقديم طلب تعيين المُحكم للمحكمة المختصة، يسقط حق من له اختيار المُحكم من ممارسة هذا الاختيار، كما أن مهلة الثلاثين يومًا المقررة لاختيار المُحكم يمكن الاتفاق على خلافها.

ج) للمحكمة المختصة حق اتخاذ أي إجراء كان يجب على الطرفين، أو الغير اتخاذه بشأن اختيار المحكمين، ولكنه لم يتخذ بسبب عدم اتفاق الطرفين، أو تخلف الغيرعن اتخاذه

مثال ذلك:

 أن يتفق الطرفان على أن يتم اختيار المُحكم، أو المحكمين من قائمة معينة يقدمها شخص من الغير، ولم يقم هذا الغير بتقديم القائمة المطلوبة منه، أو لم يلتزم أحد الطرفين بالاختيار منها؛ فيحق للطرف ذو المصلحة اللجوء للمحكمة من أجل اتخاذ هذا الإجراء.

المحكمة المختصة بطلب تعيين مُحكم:

في القانون المصري فرق في الاختصاص بين حالتين:

الحالة الأولى: التحكيم الداخلي

"اختصاص للمحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع، وهي المحكمة المنصوص عليها في المادة (9) تحكيم".

الحالة الثانية: التحكيم الدولي

" اختصاص محكمة استئناف القاهرة إذا كان التحكيم تجاريًا دوليًا سواء جرى في مصر، أو في الخارج".

فى الإمارات: المادة (204) عينت المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع([4])

فى الكويت: المادة (175): عينت المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع([5])

فى السعودية: مادة /10: عينت الجهة المختصة أصلًا بنظر النزاع من يلزم من المحكمين([6])

فى اليونسترال: المادة 11 – تعين المحكمين: المحكمة، أو السلطة المسماة في المادة 6، وهي محكمة التحكيم الدولية([7]).

فى هيئة التحكيم الدولية: إدارة الهيئة (الهيئة الإدارية ـ سواء الهيئة نفسها، أو أمينها العام) هي التي تتولى تعيين المحكمين:

إجراءات طلب تعيين المُحكم من المحكمة

تُرفع للمحكمة المختصة طلب تعيين محكم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى

وقنن ذلك القانون المصري في مادة (17) من قانون التحكيم والتي قضت:

يرفع الطرف الراغب في تولى المحكمة لتعين المُحكم بطلب إلى المحكمة المختصة، وهي محكمة المادة التاسعة بصيغة الدعوى العادية، وهي (دعوى تعيين محكم)، وهذه هي القاعدة العامة.

طلب تعيين المحكم يكون بطريق الدعوى، وليس بأمر على عريضة على ضوء ما تواترت عليه أحكام القضاء المصري، وهو ما يتعارض مع فلسفة التحكيم، ويقتضي تدخلًا تشريعيًا.

وجرى القضاء المصري، وتواترت أحكامه على أن تعيين المحكم، عن طريق المحكمة المختصة يتم على وجه السرعة وفقًا للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، وليس بموجب أمر على عريضة.

وحينما أعطى القانون الاختصاص لمحكمة؛ فإن هذا يعني أن يكون الطلب عبارة عن دعوى، وليس أمر على عريضة.

وقد حكمت محكمة استئناف القاهرة ببطلان حكم التحكيم الذي عُين فيه أحد المحكمين بموجب أمر على عريضة، وليس بطريقة الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، حتى ولو تم توقيع عضوي الدائرة إلى جانب توقيع رئيس الدائرة الذي أصدر الأمر بتعيين المحكم طالما لم يرفع طلب التعيين بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ولم تنظره الدائرة في جلسة يحضرها الخصم الآخر، أو يُكلف بالحضور أمامها.

وفي حكم لمحكمة النقض المصرية قضت بأنه: إذا تم تعيين المحكم صاحب الدور بموجب طلب مقدم إلى رئيس محكمة الجيزة الإبتدائية، ورغم تمسك الطاعن أمام محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم بسبب بطلان إجراءات تعيين المحكم؛ فإن حكم محكمة الاستئناف إذا قضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم، يكون معيبًا لمخالفته لما تنص عليه المادتان (9) و (17) من قانون التحكيم.

كما قضت أيضًا محكمة الاستئناف بأنه عدم الاعتراض طول إجراءات التحكيم على تعيين المحكم بأمر على عريضة يُعد نزولًا عن الحق في الاعتراض.

وقد أقرت اليونسترال الآتي

 "يتعين على المحكمة، أو السلطة الآخرى لدى قيامها بتعيين محكم أن تولي الاعتبار الواجب إلى المؤهلات المطلوب توافرها في المُحكم وفقًا لاتفاق الطرفان، وإلى الاعتبارات التي من شأنها ضمان تعيين محكم مستقل ومحايد، وفي حالة تعيين محكم فرد، أو محكم ثالث يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار كذلك استصواب تعيين محكم من جنسية غير جنسية الطرفين "([8]).

ملحوظة:

* ليس للمحكمة الحق في تجاوز طلبات الخصوم.

* ليس للمحكمة أن تنظر في تعيين محكمين، أو بقية هيئة التحكيم التي تم تعيينها بالفع؛ فتلك دعوى أخرى وهي دعوى الرد.

* ليس للمحكمة أن ترفض طلب التعيين، وتحيل المنازعة إلى اختصاص القضاء العادي، أو تنظر في الدعوى الأصلية أي موضوع المنازعة.

لا يجوز الطعن على حكم تعيين المحكمين.

قرار المحكمة بتعيين أسماء المحكمين لا يقبل الطعن، وهذا ما أجمعت عليه كافة التشريعات العربية، وأرسته محكمة استئناف القاهرة.

حيث قضت بأن:

"دعاوى الطعن بأنواعها التي تقام بالمحاكم على قرارات التحكيم التي تصدرها المحاكم الابتدائية، ومنها تعيين، وتسمية محكم رفض أحد طرفي التحكيم تعيينه لا تقبل الطعن عليها على الإطلاق".



(1) ملحق النصوص المتعلقة باختيار المحكم بواسطة المحكمة في قوانين التحكيم العربية

(1) محكمه تمييز دبى, الطعن رقم 175 لسنة 1993حقوق (دبى: صادر عن محكمة تمييز دبي بجلسة 12/12/1993)

(2) محكمه تمييز دبى, الطعن رقم 167 لسنة 1994(دبى: محكمة تمييز دبي ,جلسة 13/11/1994)

(1) الامارات, قانون الإجراءات المدنية (الامارات: 1970): الماده204

(2) الكويت, قانون المرافعات المدنية والتجارية – الباب الثاني عشر (الكويت, 1980): الباب الثاني عشر المادة 175.

(3) السعودية, المرسوم الملكي رقم م/46 (السعودية: جريدة أم القرى, 22/8/1403هـ): عدد رقم 2969.

(4) الامم المتحدة. لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي, وثيقة الامم المتحدة 17/40أ, المرفق الاول:القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (نيويورك: الامم المتحده,1985):المادة 11

(1) الامم المتحدة. لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي, وثيقة الامم المتحدة 17/40أ, المرفق الاول:القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (نيويورك: الامم المتحده,1985):المادة 11 الفقرة الخامسة