التحكيم، ومعاونة الغير في إتمام تصرف قانوني معين:
مثال:
ليس تحكيمًا
* اتفق الطرفان على قيام ثالث من الغير بمعاونتهما في تحديد عنصر من عناصر التصرف القانوني مثلًا تفويض الغير في تحديد ثمن المبيع، أو تفويض مهندس في تحديد كمية الأعمال المنفذة فهذا العمل ليس تحكيمًا
أما إذا كانت مهمة هذا الغير ليست تكملة التصرف بل الفصل في نزاع، كان تحكيمًا.
مثال:
* عقد مستمر اتفق فيه أثر إذا حدثت "ظروف طارئة" تُخل بالتوازن المالي للعقد فللغير الفصل في هذا الشأن، كان ذلك تحكيمًا
فالصلح وفقًا للقانون المدني هو:
نصت المادة (549) مدني بأنه " الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعًا قائمًا، أو يتوقيان به نزاعًا محتملاً، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من إدعائه".
وقد عرفت المادة (1531) من مجلة الأحكام العدلية الصلح بأنه:
" عقد برفع النزاع بالتراضي" وفي شرح المجلة " أي يتراضى الطرفين المتخاصمين، ويزيل الخصومة ويقطعها بالتراضي، وركنه عبارة الإيجاب، والقبول، وينعقد، ويصح بحصول الإيجب من طرف، والقبول من الطرف الآخر ".
فالصلح، يختلف عن التحكيم
ـ فالصلح يتم بين أطراف الخصومة أنفسهم، أو بمن يمثلونهم قانونًا بحسم خلافاتهم عن طريق التجاوز عن كل أو بعض ما يتمسك به الخصوم.
ـ بينما في التحكيم يقوم المحكم بمهمة القضاء؛ فالتحكيم أشد خطورة من الصلح، لأن التجاوز عن الحق في الصلح معلوم قبل تمامه، بينما في التحكيم تتعذر معرفة ما قد يمكن أن يحكم به المحكم.
حُكم:
وقد حُكم ترتيباً على ما تقدم بأنه:
يُعتبر من قبيل التحكيم لا الصلح اتفاق الخصوم على طرح النزاع على شخص يقوم بحسمه ولو اشترطوا أن يكتب حكمه في صورة اتفاق ([1])
يجب التمييز بين التوفيق والتحكيم
فالتوفيق كما عرفته المادة1/3 من القانون النموذجي للتوفيق التجاري الدولي بأنه:
عمليه يطلب فيها الطرفان إلى شخص ثالث أو أشخاص آخرين ـ المُوفق ـ مساعدتهما في سعيهما إلى التوصل إلى تسوية ودية لنزاعهما الناشئ عن علاقة قانونية عقدية أو غير عقدية لنزاع متصل بهذه العلاقة" ـ ـ وهذا على خلاف التحكيم.
وهو الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة.
ـ دور الموفق التوصية وتقريب وجهات النظر.
ـ دور المحكم الفصل في النزاع.
ملحوظة
قد يتضمن اتفاق الخصوم اللجوء إلى التوفيق قبل الالتجاء إلى التحكيم وقد يلجأ الطرفان إلى التحكيم مباشرة بدلاً من إضاعة وقتهم في التوفيق وفي هذه الحالة يكون عرض النزاع مباشرة على التحكيم صحيحًا طالما وافق الطرفان على المثول أمام التحكيم مباشرة.
فأما إذا تمسك أحدهما بإعمال الاتفاق على التوفيق، فلا يجوز اللجوء إلى التحكيم وعلى هيئة التحكيم القضاء بعدم اختصاصها لعدم سلوك الطريق الذي أوجبه الاتفاق ([2])
على عكس ذلك قانون المرافعات السوداني
فقضى بأنه "إذا جاء العقد التحكيمي، أو عقد التوفيق والتحكيم إلى المحكمة فإنها تبحث في البداية أمر التوفيق قبل التحكيم، والتوفيق كالتحكيم، إذا كان متفقاً عليه من الأطراف في عقد سابق للنزاع؛ فإنه يوقف المحاكمة، ويؤخر أيضًا التحكيم بانتظار انتهاء مهلة التوفيق.
وتكون عقود التحكيم أحياناً عقود تحكيم وتوفيق، فيبدأ بالتوفيق الذي لا يجوز أن يتجاوز مهلة شهر ما لم ينص العقد على خلاف ذلك. ثم ينتقل إلى التحكيم إذا لم يفض التوفيق إلى نتيجة". ([3])
التوفيق وفقًا للجان فض المنازعات، لا يُعتبر توفيقًا أو تحكيمًا:
أنشأت معظم التشريعات العربية لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تكوِّن الوزارات، والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، وجدير بالذكر أن العديد من الدول الغربية قد سبقتنا في الأخذ بنظام لجان التوفيق لما فيه من فائدة للمتقاضين والقضاة،؛ فأخذ به النظام الأمريكي في قانون إصلاح العدالة عام 1990، كما توسع التشريع الفرنسي في عام 1995 في نظام التوفيق والوساطة، وهو مطبق أيضًا في بعض الدول الأوربية، وفي النرويج، والهند، وحديثًا في دولة الإمارات.
حيث يكون في كل جهة إدارية لجنة تسمى لجنة فض منازعات تكون مهمتها التوفيق بين أصحاب المصالح والجهات الحكومية، حيث تقوم اللجنة قى نهاية الأمر بإصدار توصيات بما تراه في النزاع المعروض أمامها.
يختلف التحكيم عن الخبرة ([4])
ـ فالمحكم يقوم بوظيفة القضاء، ويحسم النزاع بين الخصوم، ورأيه يفرض عليهم.
ـ بينما القائم بأعمال الخبرة لا يُكلف إلا بمجرد إبداء الرأي فيما يطرح عليه من مسائل، وهذ الرأي لايلزم الخصوم كما لايلزم القاضي.
ـ المُحكم يصدر حكمًا، ويتقيد بالمواضيع والمُهل ـ المواعيد ـ والإجرءات المقررة في تشريعات التحكيم.
ـ بينما الخبير يكتب تقريرًا ولا يتقيد إلا بالإجراءات، والمواعيد المقررة في قانون الإثبات.
تنبيه
"وقد يدق في بعض الأحوال تحديد حقيقة المقصود من المهمة الملقاة على عاتق شخص معين، وما إذا كانت هي مهمة تحكيم أم خبرة".
والمستقر عليه فقها وقضاءً هو أن "العبرة في تكييف الوضع بحقيقة المقصود من المهمة، وليس من الألفاظ التي يصاغ بها الأمر المطلوب من الشخص".
فإذا قرر الخصوم موافقتهم على الأخذ برأي أشخاص معينون يستشارون فيما يرفع إليهم من نزاع فإن الأمر يُعتبر تحكيمًا، وليس بخبرة، ويُعتبر محكمًا الذي يكلفه الخصوم بحسم نزاع([5]).
ـ أما أعمال الخبرة؛ فهي إبداء الرأي الفني في مسألة ما، وهي ليست ملزمة لأحد، “لا القضاء ولا التحكيم ولا الخصوم” .
ـ الخبرة مسألة فنية بحتة. . . . . . . . . . التحكيم مسألة قانونية.
ـ الخبرة رأي. . . . . . . . . . التحكيم قضاء.
التحكيم ومهندس الفيديك:
أصدر الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين عدة نماذج من شروط عقد الأعمال الهندسية، كنماذج للتعاقد بين المقاول ورب العمل والمهندس، وتنص شروطه العامة على أن "أي نزاع بين الطرفين يعرض على "المهندس" أو "مجلس فض المنازعة".
ويفصل المهندس خلال 84 يومًا، والمجلس خلال 56 يومًا، وقرار أي منهما ليس تحكيمًا، وليس ملزمًا إلا إذا قبله الطرفان، وعمل المهندس، أو المجلس ليس إلا عملًا فنيًا، وليس فصلًا في خصومة.
ويجب عرض النزاع أولًا على المهندس، أو مجلس فض المنازعة قبل اللجوء للتحكيم، وإلا كان التحكيم غير مقبول.
ومن المتفق عليه
ـ أنَّ قرار المهندس لا يُعتبر قرارًا تحكيميًا، إذ لايتمتع المهندس بالاستقلال الواجب توافره في المُحكم، ولا تتبع أمامه إجراءات التحكيم.
ـ قرار المهندس لا يحسم النزاع.
ـ إذا لم يعترض أحد على قرار المهندس؛ فإن هذا القرار يستمد قوته من الرضاء الضمني للطرفين.
ـ إذا أيد حكم هيئة التحكيم قرار المهندس؛ فإن حكم التحكيم هو الذي يحسم النزاع، وهو الذي تكون له حجية الأمر المقضي.
التحكيم والوكالة:
يختلف التحكيم عن الوكالة؛ ففي الوكالة يقوم الوكيل بعمله باسم موكله، ويلتزم بتعليماته، وعلى الوكيل أن يقوم بالعمل لصالح موكله، ولهذا فإنه لايمكنه أن يكون وكيلًا عن طرفين لهما مصالح متعارضة، وليس للوكيل أية سلطة تختلف عن سلطة موكله،
وذلك على خلاف ما هو مقرر بالنسبة للتحكيم
ـ المحكم لا يصدر حُكمه باسم من اختاره.
ـ المحكم لا يلتزم بالاستجابة إلى طلبات طرفي التحكيم اللذين اختاراه.
ـ المحكم لا ينظر إلى مصلحة أي طرف ولو كان الطرف الذي عينه، بل هو يصدر حكمه مطبقاً للقانون.
ملحوظة
جرى القضاء الكويتي على التمييز بين التحكيم والقسمة. ([6])
فإذا اتفق الورثة على تكليف شخص – أو أكثر – بجرد وتقييم عناصر تركة ولو دون تقيد بالإجراءات التي نص عليها القانون، وتحديد نصيب كل وارث عينًا، أو نقدًا طبقًا للقانون، أو بالإعفاء منه، مع التزام المتعاقدين بما يقرره هذا الشخص على عاتق كل وارث؛ فنكون أمام مشارطة تحكيم، ويكون هذا الشخص محكمًا([7]).
أما لو اقتصر دون هذا الشخص على تحديد النصيب فقط كنا أمام قسمة.
)1 (أد/ فتحي والي أشارة إلى حكم محكمة استئبافالقاهرة في 27/7/2005 الدائرة 91 تجاري ـ الدعوى 103. لسنة 121