المبحث الثاني: الشروط الشكلية

الباب الثاني: اتفاق التحكيم

الدرس الثالث: شروط صحة اتفاق التحكيم

المبحث الثاني: الشروط الشكلية

العقود قد تكون رضائية، وقد تكون شكلية، ومن المعلوم أن العقود الشكلية يلزم لصحتها اتباع الشكل الذي قرره القانون لانعقادها.

وقد سار قانون التحكيم المصري على نفس النسق حيث نصت المادة (12) بأنه:

" يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، وإلا كان باطلًا، ويكون اتفاق التحكيم مكتوبًا إذا تضمن محرر وقعه الطرفان، أو إذا تضمن ما تبادله الطرفان من رسائل، أو برقيات، أو غيرها من وسائل الإتصال المكتوبة".

وتتحقق الكتابة بكافة وسائلها؛ فاتفاق التحكيم يكون مكتوبًا إذا تضمن محرر وقعه الطرفان، أو إذا تضمن ما تبادله الطرفان من رسائل، أو برقيات، أو غيرها من وسائل الإتصال المكتوبة.

وهو ما أكدته المادة (12) تحكيم.

ونجد أنه عين ما نصت به المادة (2/2) من اتفاقية نيويورك بقصد "اتفاق مكتوب" شرط التحكيم في عقد، أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف، أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة، أو البرقيات.

كما يشترط لاعتبار، أو الرسائل، والبرقيات، والفاكسات المتبادلة بين الطرفين اتفاقيًا مكتوبًا على التحكيم أن يتم التأكد من نسبتها إليهما؛ فإذا خلت من توقيعهما، أو من توقيع أحدهما؛ فإنها لا تنهض لاعتبارها اتفاقًا، وإن أمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بشهادة الشهود بعد ذلك طبقًا لما يقتضي به قانون الإثبات المصري إذا كان هو القانون الواجب التطبيق، وإلا فإنها تخضع في اعتبارها اتفاقًا على التحكيم من عدمه لقواعد القانون الأجنبي الذي اتفقًا على التحكيم في ظله.

وقد نصت أيضًا المادة (7) الفقرة الثانية من قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، والتي تنص على:

" يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، ويعتبر الاتفاق مكتوبًا إذا ورد في وثيقة موقعة من الطرفين، أو في تبادل رسائل، أو تلكسات، أو برقيات، أو غيرها من وسائل الإتصال السلكي، واللاسلكي تكون بمثابة سجل للاتفاق، أو في تبادل بيانات الادعاء، والدفاع يقول فيه أحد الطرفين بوجود اتفاق، ولا ينكره الطرف الآخر، وتعتبر الإشارة في عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط التحكيم بمثابة اتفاق تحكيم شريطة أن يكون العقد مكتوبًا، وأن تكون الإشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءًا من العقد".

وتبدو أهمية الكتابة في اتفاق التحكيم، وخاصة عند تنفيذ أحكام المحكمين وفقًا لاتفاقية نيويورك.

فنجد أن نص المادة (4) من اتفاقية نيويورك:

"يشترط على من يطلب الاعتراف بحكم التحكيم، وتنفيذه أن يقدم مع الطلب ب ـ أصل الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية، أو صورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند".

المحررات الإليكترونية، والتوقيع الإليكتروني حُجة في مجال التحكيم رغم مخاطرها.

الدليل الكتابي التقليدي يحقق الثقة، والاطمئنان في التعامل إلا أن التطور المذهل الذي يشهده العالم المعاصر في مجال الإنترنت.

وهو ما دفعت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي إلى تعديل القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في السابع من يوليو 2006م ليتسع مدلول اتفاق التحكيم المكتوب إلى الإعتداد بالمحرر الإليكتروني (م7/4).

وقد عرفت الفقرة الرابعة من المادة السابعة من القانون النموذجي المحرر الإليكتروني بأنه: أي خطاب يوجهه الطرف بواسطة رسالة بيانات، ويقصد بتعبير رسالة البيانات المعلومات المنشأة، أو المرسلة، أو المتلقاة، أو المخزونة بوسائل إليكترونية، أو مغناطيسية، أو بصرية، أو بوسائل مشابهة تشتمل على سبيل المثال لا الحصر، التبادل الإليكتروني للبيانات، والبريد الإليكتروني، والبرقيات، والتلكس، والنسخ البرقي.

ويقصد بالتوقيع الإليكتروني كما عرفه القانون المصري رقم (15) لسنة 2004م بشأن خدمة التوقيع الإليكتروني:

الكتابة الإليكترونية، كل حروف، وأرقام، أو رموز، أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة إليكترونية، أو رقمية، أو ضوئية، أو أية وسيلة أخرى مشابهة، وتعطي دلالة قابلة للإدراك.

أي أنها عبارة عن وسيلة اتصال مشفرة تعمل على توثيق المعاملات التي تتم عبر شبكة الإنترنت.

ومن ضمن القوانين العربية التي سمحت بإمكانية الإعتداد بالمحررات الإليكترونية في اتفاق التحكيم القانون المؤقت للمعاملات الإليكترونية الأردني (م9/1) وأيضًا ما نص عليه قانون المبادلات، والتجارة الإليكترونية التونسي.

وقد ساوى القانون المدني الفرنسي الكتابة الإليكترونية بالكتابة التقليدية بشروط؛ فنص في الفقرة الأولى من المادة (1316) على أن: "تكون الكتابة الإليكترونية كالكتابة المكتوبة على دعامة ورقية بشرط تحديد الشخص الذي أصدرها، أو أن يكون تدوين الكتابة، وحفظها قد تم في ظروف ذات طبيعة تضمن كلماتها".

وقد نصت أيضًا المادة (14) من قانون التوقيع الإليكتروني المصري رقم 15 لسنة 2004م على أن يكون: "للتوقيع الإليكتروني في نطاق المعاملات المدنية، والتجارية، والإدارية ذات الحجية المقررة للتوقيعات في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية، والتجارية إذا روعي في إنشائه، وإتمامه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، والضوابط الفنية، والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية بهذا القانون".

الكتابة كشرط لصحة اتفاق التحكيم

* يرد شرط التحكيم دومًا في عقد مكتوب فعدم كتابه اتفاق التحكيم يؤدي إلى البطلان الفوري للعملية التحكيمية برمتها حتى وإن تمت الكتابة بعد مباشرة العمل.

وقد اتفقت معظم التشريعات العربية على ضرورة أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، ومنها القانون المصري، والقانون الأردني، وكذلك القانون السوداني فقد نصت على أنه:

"يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، وإلا كان باطلًا"

وجاء قانون التحكيم الإماراتي في مادة الثانية ينص على أنه

" لايثبت الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة". ([1])

والفرق بين النصين المصري، والأردني، والسوداني من ناحية أن الكتابة في القوانين المذكورة هي شرط انعقاد في حين أنها في القانون الإماراتي شرط إثبات (5).

 لذلك

يترتب على عدم كتابة الاتفاق بطلانه في كل من القوانين المصرية، والأردنية، والسودانية، في حين يكون الاتفاق الشفهي صحيحًا في القانون الإماراتي، ولكن لا يجوز إثباته إلا كتابةً.

وحسب القواعد العامة في الإثبات في دولة الإمارات؛ فإنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة في عدة حالات نصت عليها المادة (37) من قانون الإثبات الاتحادي(6).

ولكننا نرى عدم تطبيق هذه القاعدة العامة على الإثبات في اتفاق التحكيم للعديد من الأسباب:

الأول: ما جرى عليه العرف التحكيمي، والتطبيق العملي سواء في التحكيم الداخلي، أو الدولي من أن كافة اتفاقيات التحكيم، وبشكل خاص التجارية منها تكون كتابة إلا في الحالات النادرة علمًا بأن العرف هو المصدر الأول بعد التشريع في المعاملات التجارية(7).

الثاني: أنَّ العديد من نصوص قانون الإجراءات المدنية أشارت إلى وثيقة التحكيم مما يعني أنه يجب أن يكون هناك وثيقة أي مستند خطي يثبت الاتفاق على التحكيم( 8).

الثالث: أن المادة (212/5) من القانون المذكور اشترطت في حكم التحكيم أن يتضمن صورة من الاتفاق على التحكيم.

وتطبيقًا لهذا النص، ذهبت محكمة تمييز دبي في حكم حديث لها، إلى أن:

"عدم التقيد بهذا الشرط يؤدي إلى بطلان الحكم" (9).

 ملحوظة:

شرط الكتابة في قوانين هذه الدول يتفق مع المادة (7/2) من القانون النموذجي (10)، والمادة (2) من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها (11).

إلا أن القانون المذكور، واتفاقية نيويورك لم يبينا فيما إذا كانت كتابة اتفاق التحكيم هي شرط انعقاد أم شرط إثبات، وترك ذلك للقوانين الوطنية، وعلى وجه الخصوص للقانون الذي يحكم اتفاق التحكيم (12).

وتجدر التفرقة هنا بين التحكيم الذي يستند على شرط تحكيم مدرج في العقد الأصلي، وبين التحكيم الذي يتم بناء على اتفاق مستقل عن ذلك العقد (13).

وفي الحالة الأولى، يفترض بداهة أن العقد الأصلي ورد كتابة، وبالتالي فإن شرط التحكيم الوارد فيه هو أيضًا كتابي.

الحالة الثانية إذا كان اتفاق التحكيم مستقلًا عن العقد الأصلي.

وفي هذه الحالة؛ فإن شرط الكتابة خاص باتفاق التحكيم، وليس بالعقد الأصلي حيث يبقى هذا العقد من حيث صحته، وإثباته خاضعًا للقواعد العامة.

بمعنى أن:

العقد الأصلي قد يجوز إبرامه شفهيًا، بل، وإثباته بالشهادة.

في حين أن اتفاق التحكيم يجب أن يكون مكتوبًا، ولا يجوز إثباته إلا بالكتابة.

مثال:

 عقد بيع تجاري، وفي كل من القانون المصري، والأردني، والإماراتي؛ فإنه يجوز إبرام مثل هذا العقد شفويا، تطبيقًا لمبدأ الرضائية في العقود (14)، دون حاجة لكتابته، أو لأي شكل آخر فيه، كما يجوز إثباته بشهادة الشهود(15).

 ولكن لو فرضنا أن أحد طرفيه ادعى بوجود اتفاق تحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن هذا العقد؛ فإن هذا الادعاء لا يكون مقبولًا ما لم يكن الاتفاق مكتوبًا (16).

مفهوم الكتابة في القوانين الحديثة

والتوجه الحديث في القوانين التي تنظم التحكيم، هو التوسع في مفهوم الكتابة، بحيث يشمل وسائل الاتصال الحديثة، مثل: الفاكس، والتلكس، والبريد الإلكتروني.

وقد أخذ بذلك كل من القانون المصري، والأردني، و أيضًا أُخذ به في دولة الإمارات خاصة مع انتشار التجارة الإلكترونية الدولية والمحلية على حد سواء، والتي أصبحت تعتمد أساسًا على وسائل الاتصال الحديثة (17).

ومن هذا المنطلق

 فإن مصطلح "الكتابة" يشمل ما يلي:

1ـالاتفاق الذي يرد في "محرر" حسب تعبير القانون المصري، أو "مستند" حسب تعبير القانون الأردني وقـّعه الطرفان. وهذه هي الكتابة بمفهومها التقليدي (18).

2ـ تبادل الطرفين لرسائل أو برقيات أو كما يقول القانون الأردني، عن طريق الفاكس أو التلكس (19)، بحيث يرد في مراسلاتهما عرض من أحد الطرفين بإحالة النزاع إلى التحكيم وقبول من الآخر على ذلك. ولا يشترط أن يكون قبول عرض التحكيم بوسيلة الاتصال ذاتها التي استخدمها الموجب في إيجابه، وهو ما تقضي به القواعد العامة.

 مثال:

 أن يرسل (أ) إلى (ب) عرضه بإحالة النزاع إلى التحكيم برسالة عادية؛ فيجيبه (ب) بالقبول عن طريق الفاكس، أو التلكس، أو غير ذلك من وسائل الاتصال (الكتابية) الأخرى (20).

3ـ تبادل الطرفين لأي وسيلة مكتوبة أخرى، وأضاف المشرع الأردني لذلك عبارة "والتي تعد بمثابة سجل للاتفاق"(21).

ومن أهمها في الوقت الحاضر (غير التلكس والفاكس)، الاتصال عن طريق البريد الإلكتروني، أو ما يسمى بالحاسوب، أو الكمبيوتر، بل يشمل أيضًا الاتصال بالرسائل عن طريق الهاتف الجوال/المحمول.

المهم في هذه الأحوال، ومثيلاتها أن يكون كل من الإيجاب والقبول قد أرسل خطيا، وفي الوقت ذاته يمكن لكل من الطرفين استخلاصه خطيًا من الجهاز الذي يحتوي عليه، أو من أي جهاز آخر.

ويستوي بعد ذلك أن يكون المرسل طبع رسالته على الجهاز طباعة، أو كتبها بخط اليد، أو لقنـّها للجهاز بصوته الذي يقوم بدوره بتحويل الأصوات إلى كتابة.

كما يستوي في الشخص الذي يستقبل الرسالة الخطية أن يكون استخلصها فعليًا من جهازه، أو قرأها وأبقاها فيه.

فالعبرة في الاستقبال إمكانية استخلاص الرسالة (كتابة) كما دوّنت من المرسل، وليس في الاستخلاص الفعلي لتلك الرسالة.

4ـ ومن صور الكتابة أيضًا إحالة طرفي العقد إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أي وثيقة أخرى تتضمن شرط تحكيم. إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزء من اتفاق التحكيم.

ومثال ذلك:

أن ينقل (أ) إلى (ب) بضاعة عن طريق البحر بسعر معين، وأجرة نقل معينة، ويتفق الطرفان على أحكام، وشروط العقد الأخرى بالإحالة إلى عقد إجارة السفينة بين (أ) وبين مالك السفينة (ج)، ويتضمن عقد الإجارة شرطًا لتسوية النزاع بين (أ) وبين (ج) عن طريق التحكيم.

 في هذا المثال يسري شرط التحكيم على علاقة النقل البحري بين (أ) وبين (ب)، إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءًا من العقد.

أي أنه لا يكفي لذلك مجرد الإحالة إلى عقد إجارة السفينة، بل يجب أن ترد في الإحالة عبارة

 "بما في ذلك شرط التحكيم الوارد في عقد الإجارة"، أو أي عبارة أخرى مماثلة (22).

5ـ ومن صور الاتفاق المكتوب أيضًا أن يتم الاتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة فتقرر المحكمة إحالته إلى التحكيم.

 في هذه الحالة يعتبر قرار المحكمة بحد ذاته بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب حتى ولو لم يوقـّع أطراف النزاع على المحضر المتضمن لاتفاقهم ولقرار المحكمة.

 وهذه الحالة منصوص عليها في القانون الأردني، ولا يوجد لها مقابل في القانون المصري بالرغم من كثرة تطبيقها في الحياة العملية.

ويستوي أن يصدر القرار بحضور أطراف النزاع، أو غياب أحدهم عن الجلسة التي صدر فيها ما دام أن هذا القرار استند لاتفاق الأطراف وفق ما هو مثبت في محضر المحاكمة.

6ـ وهناك حالة أخرى يمكن القول بشأنها بوجود اتفاق تحكيم مكتوب بالرغم من عدم وجوده حرفيا.

 ومثال ذلك:

 أن يعلن (أ) بأنه محكم لتسوية النزاع بين (ب) وبين (ج) ويطلب من كل منهما أن يتقدم بلوائحه وبياناته، ويتم تبادل ذلك بين الطرفين أمامه، ويستمر (أ) بإجراءات التحكيم، ويُصدر حكمه النهائي دون اعتراض من أي منهما طيلة الإجراءات.

 في هذه الحالة فإن تبادل اللوائح دون اعتراض، هو بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب.

ويضاف لهذه الحالة حالة مشابهة قد تحدث في الحياة العملية.

فقد يقع نزاع بين (أ) وبين (ب) لا يوجد بشأنه اتفاق تحكيم. ومع ذلك يتقدم (أ) بطلب لمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، أو لمركز دبي للتحكيم الدولي لتسوية النزاع تحكيما عن طريقه. فيعرض المركز الطلب على (ب) ويجيب عليه الأخير دون اعتراض.

وبعد ذلك يتم تعيين هيئة التحكيم التي تبدأ بنظر النزاع وتصدر حكمها دون اعتراض من أحد.

في هذا الفرض أيضًا يمكن القول بوجود اتفاق تحكيم مكتوب ممثل في طلب التحكيم من (أ) والإجابة عليه من (ب) دون اعتراض(24).

الكتابة تعد شرطًا لصحة التحكيم؛ فلا يجوز التحكيم في أي مرحلة من مراحله بدون كتابة توثقه
بمعنى أن الكتابة شرط من شروط انعقاد التحكيم، ومن شروط صحة اتفاق التحكيم؛ فيجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، وإلا كان باطلًا، ويكون اتفاق التحكيم مكتوبًا إذا حرر ووقعه الطرفان.

والكتابة شرط لازم لصحة اتفاق التحكيم؛ فهو شرط صحة، وليس مجرد وسيلة إثبات، ويترتب على تخلفها بطلان التحكيم.

وهذا ما أخذت به أغلب التشريعات الحديثة، وعلى النحو السالف بيانه تفصيلًا بالدرس الثاني (طرق ووسائل الاتفاق على التحكيم)

تعيين موضوع النزاع:

الاتفاق على التحكيم يجب أن يكون لحل نزاع، وأن يكون ذلك النزاع بصدد علاقة قانونية محددة سواء كانت علاقة تعاقدية، أو غير تعاقدية.

وإذا كان من الشائع أن يرد اتفاق التحكيم بمناسبة علاقة تعاقدية إلا أنه لا يوجد ما يمنع من ورود اتفاق التحكيم بمناسبة علاقة غير تعاقدية.

مثل:  التعويض عن العمل غير المشروع، أوعن الإثراء بلا سبب، أو التصادم البحري، أو المسئولية عن حوادث النقل البري، والبحري، والجوي، وما إلى ذلك من مجالات حديثة يلعب فيها التحكيم دورًا مهمًا.

وهذا ما أخذ به كل من قانون التحكيم المصري الجديد في المادة 10/1، والقانون النموذجي لليونسترال في المادة 70، واتفاقية نيويورك في المادة 2.

وهناك بعض القوانين التي قصرت مجال اتفاق التحكيم عن العلاقة الناشئة عن العلاقات التعاقدية، كقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية ICC في المادة 3/2/ج والمادة 8/4 (40).

تعيين موضوع النزاع في كل من الشرط والمشارطة:

تعيين المحل يختلف في الشرط عن المشارطة

فالشرط :
اتفاق عام سابق على نزاع معين لاحق على علاقة معينة؛ فإن التعيين هنا يكون تعيينًا عامًا لنزاع قد ينشأ، أي هو تعيين عام بالنسبة للمنازعة، خاص بالنسبة للعلاقة.

أما المشارطة: 

فهى اتفاق تحكيم خاص، وهي الصورة المثلى للتعيين؛ فهى خاصة بالنسبة للمنازعة كما هى خاصة بالنسبة للمعاملة.

ولذا يكفي في شرط التحكيم أن ينص على أنه مختص بأي نزاع، أو تحديد إطار خاص، أو نوع خاص من المنازعات.

كمنازعات الشحن، والتسليم مثلًا في عقود النقل، أو منازعات المقاييس الفنية في عقود الانشاءات الهندسية مثلًا.

ولكن لا يجوز مطلقًا تحديد نزاع معين في شرط التحكيم 

كأن يقال أن الشرط مختص بالمنازعة الحادثة في تاريخ كذا بشأن كذا؛ فهذا يعتبر تعليق على شرط لا يجوز في شرط التحكيم، ويتنافى مع قواعد القانون العامة.

وذلك على التفصيل السابق تناوله بالدرس الثاني الباب الثاني.



(1) قانون التحكيم الإماراتي رقم 11 لسنة 1992 بشأن المرافعات المدنية، الباب الثالث في التحكيم.