المبحث الثاني: معايير التمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي

الباب الأول: نظام التحكيم

الدرس الثاني: أنواع التحكيم وطبيعته القانونية

المبحث الثاني: معايير التمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي

 

التحكيم الداخلي (الوطني):                                         

هو التحكيم الذي يجرى داخل الدولة، ويطبق عليه قانونها، وقد نظم المشرع الفرنسي التحكيم الداخلي في المواد (1442 – 1491) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وألزم القانون هيئة التحكيم بتطبيق القانون الفرنسي على النزاع إذا كان التحكيم داخليًا، ولم تكن هذه الهيئة مفوضة بالصلح.

وقد نصت المادة (2/1) من قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 على سريان أحكام هذا القانون على التحكيم الذي يجرى في مصر إن جرى جانب من إجراءات التحكيم خارج مصر، أما التحكيم الخارجي فهو كل تحكيم يضع في الميزان مصالح التجارة، وذلك بصرف النظر عن مكان صدور حكم التحكيم.

التحكيم الدولي:

 والمقصود به "التحكيم في مجال علاقات التجارة الدولية، والمصالح الخارجية لأطراف النزاع، والتي تكشف إرادتهما المشتركة عن أن التحكيم ناشئ عن علاقة تجارية دولية، أو مصالح خارجية أي خارج الدول التي ينتمون إليها"

ـ مع تنامي العلاقات التجارية بين الدول، وازدهار المشروعات الاستثمارية، وتعدد الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالاستثمار، وضمان الاستثمار، وجد التحكيم الدولي مجاله الخصيب.

ولكن ما هي المعايير التي يمكن الوقوف عندها للتفريق بين التحكيم الدولي، والتحكيم الوطني؟

يتضح ذلك من نص المادة الأولى من اتفاقية نيويورك الموقعة بتاريخ 10 يونيو 1958م، والتي تنص علي أن:

المادة الأولى الفقرة (1):

" تطبق الاتفاقية الحالية للاعتراف، وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف، وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها، وتكون ناشئة عن منازعات بين أشخاص طبيعية، أو معنوية، كما تطبق أيضًا على أحكام المحكمين التي لا تعتبر وطنية في الدولة المطلوب إليها الاعتراف، أو تنفيذ هذه الأحكام ".

المعيار الجغرافي: مكان التحكيم

يرى أنصار هذا المعيار أنه إذا كان مكان التحكيم خارج البلد؛ فيعتبر الحكم لناتج عنه حكم دولي.

والسبب أنه يعتمد على العامل الجعرافي، بحيث أن هيئة التحكيم قد اجتمعت، وأصدرت حكم التحكيم خارج البلاد.

 "فالتحكيم أجنبي إذا تم في بلد أجنبي، أو كان أحد أطرافه أجنبيًا، كذلك فإن تطبيق قانون أجنبي، أو قواعد إجراءات محاكمة أجنبية، أو وجود فريق أجنبي يجعل من التحكيم تحكيمًا أجنبيًا، وبالتالي يجعل من القرار التحكيمي قرارًا أجنبيًا".

ونجد أن هذا المقياس هو الذي أخذته اتفاقية نيويورك بعين الاعتبار، وهي اتفاقية تطبق على القرارات التحكيمية ـ الصادرة في دولة غير الدولة التي يطلب منها الاعتراف بالقرار التحكيمي، أو تنفيذه على أراضيها ـ ويتضح ذلك من نص المادة الأولى من اتفاقية نيويورك الموقعة بتاريخ 10 يونيو 1958م، حيث تنص الفقرة (1) منها على أن:

" تطبيق الاتفاقية الحالية للاعتراف، وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف، وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها، وتكون ناشئة عن منازعات بين أشخاص طبيعية، أو معنوية كما تطبق أيضًا على أحكام المحكمين التي تعتبر وطنية في الدولة المطلوب إليها الاعتراف، أو تنفيذ هذه الأحكام ".

وقد تراجع دور مكان التحكيم في المقياس الجغرافي.

وأصبح المقياس الجغرافي يأخذ أيضًا بعين الاعتبار مكان إقامة الأطراف.

ـ فإذا كانوا مقيمين في خارج الدولة التي يجري فيها التحكيم فيصبح بذلك التحكيم أجنبي عن هذه البلد.

ـ وإذا كانوا مقيمين في أماكن أو بلدان مختلفة فالتحكيم دولي.

مثال:

إذا كان أحد طرفي النزاع على الأقل غير مقيم في سويسرا، أو هولندا مثلًا عند توقيع العقد فالتحكيم الذي يجري في هولندا، أو في سويسرا، هو دولي ـ القانون السويسري سنة 1987 – والقانون الهولندي سنة 1986

 ـ كذلك فإن اتفاقية جنيف الأوروبية لعام 1961، والمتعلقة بالتحكيم الدولي،

اشترطت

 أن يكون النزاع ناشئًا عن عملية تجارية دولية.

و أن يكون النزاع قائمًا ما بين ـ أشخاص مقيمين، أو لهم مركز إقامة في بلدان مختلفة.

 

أخيرًا

هذا المقياس هو الذي أخذ بعين الاعتبار في القانون النموذجي للجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي ـ UNCITRAL ـ الذي اعتمد في 21 يونيه 1985.

نص المادة الأولى من قانون الأونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الفقرة (3):

يكون أي تحكيم دوليًا.

" 1_ إذا كان مقرًا عمل طرفي اتفاق التحكيم وقت عقد ذلك الاتفاق، واقعين في دولتين مختلفتين، أو

2_ إذا كان أحد هذه الأماكن التالية واقعًا خارج الدولة التي يقع فيها مقر عمل الطرفين.

(أ‌)                مكان التحكيم إذا كان محددًا في اتفاق التحكيم، أو طبقًا له

(ب‌)            أي مكان ينفذ فيه جزء هام من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية، أو المكان الذي يكون لموضوع النزاع أوثق الصلة به، أو

(ت‌)            إذا اتفق الطرفان صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة.

ـ وقد أخذ بهذا المفهوم أغلب التشريعات الحديثة ومنها “مصر ـ اليمن ـ تونس ـ”

المعيارالاقتصادي: موضوع النزاع

ويقوم هذا المعيار على أن طبيعة النزاع هي التي تؤخذ بعين الاعتبار.

" فيُعتبر تحكيمًا دوليًا ذلك الذي يتعلق بمصالح تجارية دولية، دون أخذ مكان التحكيم، أو قانون إجراءات المحاكمة المطبق، أو جنسية الفرقاء بعين الاعتبار".

ومن التشريعات التي أخذت بهذا المعيار.

ـ قانون التحكيم الدولي اللبناني

فأعطى للتحكيم الدولي التعريف التالي:

 "يُعتبر دوليًا التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولي"([1]).

أما قانون التحكيم الفرنسي فقد عرف التحكيم الدولي بأنه:

" يُعتبر تحكيمًا دوليًا ذلك التحكيم الذي يضع في الميزان مصالح التجارة الدولية"

كما أخذ بهذا المعيار

ـ نظام محكمة غرفة التجارة الدولية في باريس I. C. C

ـ نظام تحكيم محكمة لندن L. C. I. A ([2])

فلا ينظران إلا منازعات التجارة الدولية،،

ـ بينما اعتمدت بعض الدول العربية مقياسًا مختلطًا للتفريق بين التحكيم الداخلي، والتحكيم الدولي.

مثال

 دولة البحرين، وسلطنة عمان: فقد اعتمدا على المعيار الاقتصادي، والمقياس الجغرافي([3]). أما دولة الجزائر: فقد اعتمدت على المعيار الاقتصادي، والمعيار القانوني؛ فالمقياس الاقتصادي هو "مصالح التجارة الدولية "، والمعيار القانوني هو " محل إقامة أو موطن أحد الطرفين".

الخلاصة

نرى أن لكل معيار من هذه المعايير قيمته النسبية، لكن لم ينج أحدهما من الانتقاد، ويكشف ذلك في رأينا عن صعوبة وضع معيار عام مجرد يطرد حكمه في جميع الأحوال؛ فإذا تعلق الأمر بعلاقة وطنية بحتة من حيث الأطراف "وطني" لا يثير أي مشكلة من حيث تكييفه، أو تحديد القانون الذي يسري عليه.

أما معيار التفرقة بين التحكيم الداخلي، والأجنبي نرى تبني معيار مكان التحكيم دون اهتمام بجنسية الأطراف، أو طبيعة النزاع؛ فالتحكيم يكون أجنبيًا إذا تم خارج مصر حتى لو كان أطرافه مصريين، وتعلق بعقد، أو علاقة محلية بحتة، والأمر نفسه لو كان أحد الأطراف مصريًا، والآخر أجنبيًا، ولا يوصف هذا التحكيم بأنه "دولي" لمجرد وجود طرف أجنبي، أما جريانه في الخارج فيؤدي إلى وصفه بالأجنبية، أو بأنه تحكيم "غير محلي"، وهذا المعيار تبنته اتفاقية نيويورك لوصف حكم التحكيم بصفته الأجنبية، حيث نصت على سريان نصوصها على أحكام التحكيم التي تصدر في دولة غير الدولة المراد تنفيذه فيها.

ويكون معيار "الدُولية" في تصورنا مرتبط بطبيعة النزاع، فالتحكيم يكون دُوليًا، إذا اتفق عليه بشأن علاقة تنتمي لطائفة "علاقات التجارة الدولية".

ولا أهمية بعد ذلك لجنسية الأطراف، أو مكان التحكيم، أو القانون واجب التطبيق، فلو قام مصري مقيم في دولة أجنبية بتصدير آلات غزل لمصري مقيم في مصر، واتفقا على تسوية ما قد يثور بينهما من منازعات عن طريق تحكيم بحري في مصر، فإن هذا التحكيم يعتبر دوليًا رغم اتحاد جنسية الأطراف ورغم جريان التحكيم على أرض البلد التي ينتمون إليها ولا يعتبر هذا التحكيم وطنيًا ولا يخضع حتمًا للقانون المصري.

 



(1)أد /عزمي عبد الفتاح عطية (دراسة لقواعد التحكيم الداخلي في قانون المرافعات الكويتي) طبعة 2012 مؤسسة دار الكتاب ص 55

 (2) www. lcia. org

(3) مرسوم سلطاني رقم 97/47 بإصدار قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية العماني مادة (3):