الطبيعة القانونية للتحكيم

منازعات الملكية الفكرية

التحكيم والطبيعة القانونية للملكية الفكرية

الطبيعة القانونية للتحكيم:

عقد اختلفت الآراء حول تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم، فذهب اتجاه إلى القول بالطبيعة التعاقدية، وذهب اتجاه آخر إلى ترجيح الطبيعة القضائية، ووقف اتجاه ثالث موقفاً وسطاً بين الطبيعتين السابقتين حيث يرى أصحابه أن للتحكيم طبيعة مختلطة أو مزدوجة، وبالإضافة إلى ذلك هناك اتجاه رابع يرى أصحابه أن للتحكيم طبيعة خاصة ومستقلة به، ويضيق المجال هنا عن طرح حجج كل فريق ومفصل آرائه.

ويعزى هذا الجدل والخلاف إلى المعنى الاصطلاحي للتحكيم ولكونه يجمع بين عملين، أحدهما يأتيه طرفا النزاع، وهو إبرام اتفاق التحكيم، والآخر يأتيه المحكم المختار من قبلهما، وهو الفصل في النزاع بحكم يحوز حجية الأمر المقضي به، فأي العملين يستوعب الآخر حتى يتسنى اتخاذه مبدأ للتفسير في كل ما يتعلق بمعطيات التحكيم.

          ونحن من جانبنا نفضل النظر إلى التحكيم من جانبه التعاقدي، فالتحكيم عقد رضائي ملزم للجانبين وهو من عقود المعاوضة، ويجب أن تتوفر الأهلية القانونية لدى طرفيه حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة التاسعة من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008م:" لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته".‏

المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم:

حاول الفقه المصري وشابهه في ذلك المشرع الإماراتي منذ فترات غير بعيدة أن يضرب الأمثلة أو يضع تعددا لهذه الأسباب التي لا يجوز فيها التحكيم بحكم كونها غير قابلة للصلح وهذا التعدد ليس نهائيا أو غير قابل للمراجعة، وإنما هو اجتهاد فقهي من جانب الفقه المصري في تفسير الحالتين الرئيستين التي يمتنع فيهما التحكيم وهما:

‌أ)       حالة المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية.

‌ب)    حالة المسائل المتعلقة النظام العام.

§        المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية البحتة ومسائل الجنسية والمسائل الجنائية:

ينص قانون التحكيم على أنه لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، كما ينص القانون المدني على أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام، ولكنه يجوز الصلح على المصالح التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم ومن ثم تكون المنازعات التي لا يجوز فيها التحكيم هي المتعلقة بالأحوال الشخصية- لأن المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية تدخل من بين المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية. وبالتالي فإن ما لا يجوز فيه التحكيم ينحصر إذن فقط في المسائل المتعلقة بالنظام العام.  ولقد قصد المشرع بعدم إجازة التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام إن تخضع لإشراف ورقابة السلطة العامة التي يمثلها ويهمها أن تسري عليها قواعد عامة موحدة.

§        أما بالنسبة للأحوال الشخصية:

فإن الإجماع ينعقد على تقسيمها إلى مواد متصلة بالأحوال الشخصية البحتة ومواد تتصل بالمصالح المالية- أي تتصل بالمال- والأولى وحدها هي التي لا يجوز فيها الصلح والتحكيم- دون الثانية التي يجوز فيها هذا وذاك. ومن ثم لا يجوز التحكيم في خصومة تتصل بما إذا كان الولد شرعيا أم متبنى أم لا ينتسب إلى أسرة ما أو خصومة تتصل بما إذا كان عقد الزواج صحيحاً أم باطلاً، لو خصومة تتصل بما إذا كان شخص يعتبر وارثا أم غير وارث.

§        أما بالنسبة للجرائم:

فلا يجوز التحكيم بصدد تحديد مسؤولية الجاني الجنائية وما إذا كان ما ارتكبه يعد جريمة أو لا يعد كذلك كما لا يجوز التحكيم بصدد النص الواجب التطبيق في قانون المرافعات جزاء على ما ارتكبه الجاني ولكن لا يجوز التحكيم في شأن التفويض المستحق للمجني عليه إذاً لا يجوز التحكيم في صدد قيام الجريمة أو عدم قيامها وفي صدد نسبتها إلى فاعلها، وفي صدد العقوبة الجنائية الواجب أعمالها.  كما لا يجوز التحكيم في الدعوى بطلب دين قمار – أو فيما إذا كان الدين يعتبر دين قمار أو لا يعتبر.

1. المسائل المتعلقة بالنظام العام:

لما كانت المسائل المتعلقة بالمنفعة العامة لا تتصل كلها بالنظام العام فما لا يتصل منها بالنظام العام يجوز التحكيم بصدده لذلك فلا يجوز التحكيم في الدعوى المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة لاتصالها بالنظام العام كما لا يجوز التحكيم لذات السبب – فيما يتصل بأعمال السيادة أو في المنازعات المتعلقة بملكية الأموال العامة إذا آلت للدولة بطريق مشروع.

1.     المنازعات التي لا تقبل أمام القضاء لسبب متصل بالنظام العام:

إذا كان عدم قبول الدعوى يتصل بالنظام العام بمعنى أن المحكمة تلتزم من تلقاء نفسها بالحكم فيها بعدم القبول- فلا شك أن المحكم هو الآخر- يلزم بعدم قبول الدعوى من تلقاء نفسه وحتى ولو كان محكماً مصالحاً.

2.     ضرورة أن يكون التحكيم صادرا ممن تتوافر له الصفة المقررة في التشريع:

لا يكفي أن يكون أطراف التحكيم على كامل اهليتهم فقط - وإنما يتعين أن يكونوا أصحاب صفة في المنازعات التي تنشأ فيهم. فمثلا إذا اتفق على التحكيم بصدد ملكية عين وجب أن يكون هذا الاتفاق بين المالك لها مدعى ملكيتها- وذلك حتى يجدي التحكيم وحتى يتمكن المحكوم له من تنفيذ حكم المحكمة. كما إذا اتفق على التحكيم بصدد إيجار شقة معينة وجب أيضا أن يكون في الاتفاق بين المالك ومستأجر ذات الشقة.

ويبين من ذلك على المحكم مهمة خطيرة وبالغة الأهمية قبل إجراء التحكيم وهي التحقق من تلقاء نفسه- وبكامل الحيطة والحذر من صفة المحكمين وما إذا كانوا هم أصحاب الحقوق أو من يمثلوهم حتى لا يصدر الحكم في غفلة من صاحب الحق الأصلي. وقد أيدت محكمة النقض هذا الرأي بحكم لها – فقررت- أن المحكمة تلزم من تلقاء نفسها بالتحقيق من صفات الخصوم وعليها الحكم بعدم القبول ولو لم يتمسك ذات الخصم الأصلي صاحب المصلحة بهذا الدفع.

3. لا يعتد بالتحكيم إذا اتصل فقط بإجراءات التقاضي أمام محكمة ما ولا تلتزم المحكمة بحكم المحكم في هذه الحالة، وهذا يعني أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم بصدد نزاع إجرائي بحت وإلزام المحكمة بتنفيذ حكم المحكم- فمثلاً إذاً أثير دفع يتصل باختصاص المحكمة أو عدم  اختصاصها بنظر الدعوى فلا يجوز إحالته وحده على التحكيم ولو كان الدفع لا يتصل بالنظام العام. لأنه متى أثير من الخصم. صاحب المصلحة وطرح على المحكمة طرحا صحيحا وجب عليها الفصل فيه وإن كان يجوز النزول عن التمسك بالدفع إذا لم يتعلق بالنظام العام.

وبعبارة أخرى قد وضع المشرع القوانين الإجرائية لخدمة العدالة وحتى ترسم على هواها إجراءات التقاضي ويلتزم بها أطراف الخصومة ويحترمها القضاء وهي في هذا السبيل قد تراعي التسوية بين جميع المواطنين أياً كانت طبيعة منازعاتهم أو نوعها- فلا يملك أحد فرض إجراءات أخرى على المحاكم- بل لا تملك المحكمة أن تطلب إجراءات غير المقررة في التشريع ولا يملك الخصوم الاتفاق فيما بينهم جميعا على موالاة إجراءات مغايرة لتلك التي وضعها المشرع.

من كل ما تقدم يبين أنه يقع باطلا الاتفاق على التحكيم في شأن الخصومة الفرعية المتعلقة بإسقاط الخصومة الأصلية أو باعتبارها كأن لم تكن أو تركها أو سقوطها بالتقادم أو بالبطلان- كما يقع باطلا الاتفاق في التحكيم من الأمر المتصل باعتبار الخصوم حاضرين أم متخلفين عن نظر الدعوى أو فيما إذا كان الطعن في الحكم يقبل أو لا يقبل، ويلاحظ أن ذلك لا ينطبق على ما اتصل بالدفوع الموضوعية فمن الجائز الاتفاق على التحكيم في شأن أن الحق سقط بالتقادم أم لم يسقط بعد أو أن الوفاء به المدعى حصوله، يعتد به أم لا يعتد، وإذا كان الأمر متصل بالنظام العام وجب على المحكم مراعاته.