المبحث الثاني: أهمية البحث العلمي
إذا كان البحث العلمي يمثل ضرورة حياتية للإنسان، إذ به يستطيع الإنسان أن يسيطر على ما وهبه الله من نعم في هذه الأرض أثناء حياته فيها. فإنه بالنسبة للدول في العصر الحديث يعتبر البحث العلمي ضرورة وحياة وشرطاً أساسياً للاستمرار والتقدم ([1]).
وعلى ذلك فإن استثمار الدول في البحث العلمي يقوي بنيانها ويزيد من نفوذها على المستوى الدولي. فأصبحت قوة الدولة تقاس بقدرتها العلمية. ولقد يسر العلم والبحث العلمي لدول صغيرة في المساحة والسكان أسباب قوة ونفوذ كبيرة لاهتمامها بالبحث العلمي.
ففي العصر الحديث تقوم جميع أوجه النشاطات الإنسانية على البحث العلمي، وأصبح التطور التكنولوجي في هذه الدول عصيًا على اللحاق به. وأصبحت الدول تتسابق فيما بينها في هذا المجال. وسوف نذكر بعض الأرقام التي وردت في تقرير منظمة اليونسكو عما يجري في دول العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا كما يلى:([2]).
الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت 200 مليار دولار أمريكي في البحث العلمي عام 1998. وكل مليون دولار تصرفها أمريكا على البحث العلمي ترتد إليها كعائد مباشر وغير مباشر مقداره 140 مليون دولار.
وفي اليابان كان الإنفاق في نفس العام 73 مليار دولار وكان عائد المليون دولار 124 مليون دولار. وفي دول الاتحاد الأوربي كان عائد المليون دولار المستثمرة في البحث العلمي 98 مليون دولار. ولاشك في أن هذا العائد الكبير إنما يرجع إلى عدة أسباب منها أن نتائج هذه الابحاث تجد التسويق الجيد والتشجيع من الحكومات.
وأنفقت الصين نحو 40 مليار دولار على البحث العلمي في عام 1998، والهند 21 مليار دولار في ذات العام، وإسرائيل مليار5،6 دولار، وكوريا الجنوبية 4،6 مليار دولار.
ولذلك فإنه لا عجب أن نجد أن صناعات هذه الدول وعلومها تغزو أسواقنا وتُحَجِم نمو اقتصادنا.
فذلك نتيجة طبيعية بما قدمت هذه الدول للبحث العلمي والعاملين به.
ولنا أن نتساءل عن مقدار ما أنفقته مصر على البحث العلمي في نفس العام أي 1998 لقد كان 433 مليون دولار ([3]). وهو رقم إذا ما قورن بالأرقام السابقة في الدول الأخرى كان تفسيراً مُقنعاً لتدني الاستفادة من البحث العلمي في شتى المجالات. وهى مقارنة تدق ناقوس الخطر ليقرع الآذان، ويطرح تساؤلاً بسيطاً، إلا أن إجابته ليست بمثل بساطته. ألم يئن لنا أن نخرج من هذا النفق؟ ولن يكون ذلك إلا بالاهتمام بالبحث العلمي وتقدير الباحثين. حتى نستطيع أن نلحق بدول كنا أكثر منها تقدماً وعلماً مثل كوريا الجنوبية واليابان.
ولكي يحقق البحث العلمي هدفه وغايته، فإنه لابد وأن يكون بحثاً علمياً جاداً يتجه إلى بناء إنسان باحث قادر على خدمة وطنه بالعلم النافع.
ومن الملاحظ أن آليات البحث العلمي في الدول النامية تتسم بالشكلية وتنهض على حرص الباحثين على مجرد الحصول على درجات علمية لا تخرج عن كونها درجات وظيفية، لا تؤدي – بحال من الأحوال – إلى رقي المجتمع ونهضته وتطويره. وعلى ذلك فإن أهداف البحث العلمي في هذه الدول غائبة تماماً ([4]). ولذلك فإننا يجب أن نُلقي الضوء على الغايات الحقيقية للبحث العلمي.
وذلك كما يلي:-
أولاً:- إن غاية كل بحث علمي جاد تتمثل في تغيير المجتمع إلى الأفضل من جميع النواحي. فالتطور في شتى مناحي الحياة المختلفة إنما يقوم على البحث العلمي. وعلى ذلك فإن البحث العلمي يجب أن يرتبط ببيئته ويكون نافعاً لها حريصاً على تقدمها.
ثانياً:- لن يتسنى للبحث العلمي أن يحقق غايته في تغير المجتمع على الوجه السابق إلا إذا تغيرت النظرة في هذه الدول إلى البحث العلمي من وجوه عديدة كما يلي:-
- تنمية ملكات الابتكار والتحديث لدى الباحثين. فالتقليد والجمود هو في أساسه تحنيط للعلم، ولا خير في أبحاث تنفصل عن مجتمعها. فالبحث العلمي سواء تعلق بالعلوم الطبيعية أم بالعلوم الإنسانية يجب أن يهتم بمشاكل كل المجتمع وإيجاد حلول مناسبة لها، فضلاً عن تطوير إمكانيته.
- شجاعة الباحث في إبداء آرائه بحرية. وتنمية روح الاستقلال لديه حتى يستطيع إخراج بحثه في صورة جديدة تفيد المجتمع وفق المقاييس والمناهج العلمية السلمية.
ويجب إبعاد البحث العلمي عن مدارج السياسة. فلا نفع في أبحاث تسخر لخدمة السلطان، أو تبرر ظلم الحكام. أو تُمكن الطغاة استمرار طغيانهم([5]).
[1]) انظر: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق، ص 15.
[2]) انظر: في عرض هذه الأرقام وتحليلها: ميلاد حنا: الاستثمار في ” البحث العلمي ” هو ضمان التنمية مستقبلاً – جريدة الأهرام – 15 يناير 2002 – ص 10. نقلاً عن: د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 16.
[3]) انظر: ميلاد حنا: الاستثمار في البحث العلمي – المقال السابق.
[4]) انظر في ذلك: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق، ص 18.
[5]) انظر في ذلك: د / جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 22.
قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.
وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:
تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.
ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:
تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.
وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.
وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.
المبحث الثاني: تجميع المعلومات.
وذلك على الوجه التالي:
سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.
وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.
وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).
ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.
وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:
[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.
قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.