الباب الثالث:
هيئة التحكيم
الدرس الأول:
تشكيل هيئة التحكيم
المبحث
الأول:
القواعد
العامة في
تشكيل هيئة
التحكيم
القاعدة
الأولى
تكوين
هيئة التحكيم
باتفاق الأطراف
تتشكل
هيئة التحكيم
بإرادة
الأطراف؛
فالتحكيم
نظام قضائي
خاص يتأسس على
الإرادة الفردية،
ومن أهم
مزاياه ترك
الحرية للأطراف
لاختيار من
يرد منهم
حكمًا بينهم،
وقد كانت هذه
الميزة من
الأسباب
الرئيسة لازدهار
نظام التحكيم،
وانتشاره.
فقد
نصت المادة (15/1)
تحكيم مصري
على:
"أن
تشكيل هيئة
التحكيم، أو
أن إجراءات
التحكيم لم
تكن وفقًا
لاتفاق
الطرفين، أو
لم تكن في
حالة عدم وجود
مثل هذا
الاتفاق
وفقًا لقانون
البلد الذي
جرى فيه
التحكيم"
ويتضح
من ذلك حق
الدول المراد
الاعتراف
وتنفيذ الحكم
المقدم إليهم،
أو رفض
التنفيذ إذا
اتضح أن الحكم
صادر عن هيئة
لم يتم
تشكيلها
وفقًا لاتفاق
الأطراف.
وهو
الإقرر
الصريح
بأهمية اتفاق
الطرفين على
تشكيل هيئة التحكيم.
ويتميز
التحكيم
بمرونته فهو
يسمح
للمتنازعين
بتفسير
عقدهما، أو بتنفيذه
بتشكيل
التحكيم
بينهما، على
النحو المناسب
لهما،
ويُمكّن الأطراف
من اختيار المحكمين
الذين يتولون
عملية
التحكيم بأنفسهم.
إن تعيين
المحكمين
يكون بالإرادة
المنفردة،
والصحيحة للأطراف
إعمالًا
لمبدأ "سلطان
الإرادة"،
وهو يعني قوه إرادة
الأطراف في
تكييف،
وتعيين
علاقاتهم
ببعضهم.
فإرادة
الأطراف في
مجال التحكيم
تمنحهم
الحرية
التامة في تعيين
محكمينهم،
الذين يفصلون
بينهم في
منازعة
التحكيم.
فعمل
المُحكم
يستند دائمًا،
وأبدًا إلى ثقة
الأطراف تلك الثقة
التي هي عصب
العملية
التحكيمية،
ولذا فإنه من
الطبيعي أن يكون
اختيار من
يحوز هذه الثقة
من قبل من
يمنح هذه
الثقة أصلًا،
وهم أطراف
المنازعة.
ونظرًا
للطبيعة
الخاصة
للتحكيم من
حيث أنه عمل
خاص محدد
موقوت، أي أن كل
عملية
تحكيمية لها أطرافها
الخاصة التي
تتنوع بتنوع
علاقات الأشخاص؛
فمن الأنسب أن
يكون المُحكم
مُعين من قبل أطراف
العلاقة؛ لأن هؤلاء
هم الأدرى
بطبيعة
المعاملة،
وهم الأوعى
بكيفية اختيار
محكميهم في
منازعاتهم.
وهذا
المبدأ يعد من
أهم أُسس
التحكيم، ومن
أكثر ما تم الاتفاق
عليه
تشريعيًا
وفقهيًا.
القاعدة
الثانية
وجوب
أن يكون عدد
المحكمين
وترًا
كما
أوضحنا
بالقاعدة
الأولى
السابق ذكرها:
بأن يمتلك
أطراف النزاع
حرية الاتفاق
على تشكيل
هيئة
التحكيم، نجد
أن هذه الحرية
مقيدة بشرط هو
أن يكون العدد
وترًا.
" إذا
تعدد
المحكمون وجب
أن يكون عددهم
وترًا، وإلا
كان التحكيم باطلًا
".
فإذا
اتفق الأطراف
على تعدد
المحكمين دون
تحديد العدد
كان العدد
ثلاثة، وإذا
حددوا عددًا
أكبر لزم أن
يكون العدد
وترًا، وإلا
بطل التحكيم،
وبطبيعة
الحال يستطيع
الأطراف
تصحيح الأمر،
وتعديل
التشكيل على
نحو يتسق،
ونوص القانون،
وقد عالج
المشرع
الفرنسي ذلك صراحة،
فنصت المادة (1454)
مرافعات، على
أنه في حالة
تحديد عدد
زوجي؛ فمحكمة
التحكيم أن
تختار محكمًا
سواء اتفق
الأطراف على
ذلك، أو يتولى
الأمر المحكمون
الذين تم
اختيارهم،
وإذا اختلفوا
فيتولى ذلك
رئيس المحكمة
الإبتدائية.
وتطبيقًا
لذلك قضت
محكمة النقض
بأنه إذا كان
ما ينعاه
الطاعن على
الحكم محل
الطعن الخطأ
في تطبيق
القانون؛
لأنه يجب أن
يكون عدد
المحكمين
وترًا، وإلا
كان التحكيم
باطلًا إذ أن
الثابت كما
يقول الطاعن
أن عدد
المحكمين
المعينين
خمسة في حين
أن متى وقع
على الحكم
أربعة، الأمر
الذي يستفاد
منه أن المحكم
الخامس لم
يشترك في
المداولة،
وإصدار الحكم
مما يبطله،
وإذا خالف
الحكم المطعون
فيه هذا النظر،
وأقام قضائه
على أن من وقع
حكم المحكمين
أربعة، وأنه
بهذا يكون
صحيحًا
لكونهم
يمثلون
الأغلبية؛
فإنه يكون قد
أخطأ في تطبيق
القانون،
وحيث إن هذا
النعي مردود
ذلك أنه لما
كان القانون
قد أوجب أن
يكون عدد
المحكمين
وترًا، وكان
الثابت من حكم
المحكمين
أنهم خمسة،
وأنهم
اجتمعوا
جميعًا،
وأصدروا
الحكم، وكان
الأصل في الإجراءات
أنها قد روعيت،
وعلى من يدعي
أنها قد خولفت
إقامة الدليل
على ما يدعيه
لما كان ذلك،
وكان الطاعن
لم يقدم الدليل
على أن
المحكمين
الذين
اشتركوا في
المداولة،
وإصدار الحكم
لم يكن عددهم
وترًا، وكانت
محكمة
الموضوع غير
ملزمة بالرد
على دفاع لم
يقدم لخصم
دليله؛ فإن
النعي يكون
على غير أساس.
وذلك بمعنى
أن يكون العدد
فردي أي واحد،
أو ثلاثة، كما
جرت العادة،
وهذا المبدأ
هدفه الأساسي،
هو تحقيق
الحيادية،
وتعزيز ثقة الأطراف؛
فالوترية دائمًا
مُستحبة في أي
تشكيل حُكمي
فالطبيعة
القضائية
الخاصة
لهيئات
التحكيم تفرض
نفسها بشدة في
تلك النقطة؛
فهيئات
التحكيم يتبع
فيها نفس
قواعد الهيئات
القضائية
الطبيعية من
ناحيه العدد؛
فتشكيل
الأخيرة دائمًا،
وتري سواء
فردي، أو جماعي،
ويتدرج حسب
درجة المحكمة.
كما
أنه يخدم
المعنى
المُجرد
للحيادية، من
حيث أن الحكم
الصادر من
هيئات، وترية
غالبًا ما
يُصادف صحيح
القانون، أو العدالة
لصعوبة تغليب
طابع واحد على
جميع أفراد
الهيئة.
القاعدة
العامة
أنه
يجوز تشكيل
هيئة التحكيم
من محكم واحد،
أو أكثر من
مُحكم، بشرط
أن يكون عددهم
وترًا
ثلاثة، أو خمسة،
أو سبعة، أو أكثر.
وذلك
تجنبًا لما قد
يحدث من مشاكل
عند المداولة
إذ قد ينقسم
المحكمون إلى فريقين
متساويين؛
فيتعذر صدور
حكم
بالأغلبية.
تحديد
عدد المحكمين
أمر متروك
لحرية
الطرفين مع قيد
واحد، وهو التزام
قاعدة وترية
التشكيل، وفي
حالة عدم الاتفاق
على عدد
المحكمين
سواء في اتفاق
التحكيم
ذاته، أو في اتفاق
مستقل لاحق؛
فإن المشرع في
قوانين
التحكيم نص
على أن يكون
عددهم ثلاثة.
من
ذلك يمكن
إجمال
متطلبات اختيار
المُحكم في أحكام
ثلاثة:
أولًا-
يجـوز
تشكيـل هيئـة
التحكيم من
فرد واحد، أو من
عـدد من الأفراد
بشرط أن يكون
عددهم وترًا.
ثانيًا-
تحديد
عدد المحكمين
متروك لحرية
الطرفين بقيد
واحد هو الالتزام
بوترية
التشكيل.
ثالثًا-
إن
المشرع قد
احتاط لحالة
عدم اتفاق الطرفين
على عدد
المحكمين؛
فتولى بنفسه
تحديد العدد
بثلاثة،
مُلتزمًا
بذلك بمبدأ
الوترية الذي
قرره.
جزاء
الإخلال
بقاعدة
الوترية
رتب
المشرع البطلان
جزاءً
للإخلال
بمبدأ
الوترية،
ويُقصد ببطلان
التحكيم هنا، بطلان
تشكيل هيئة
التحكيم.
وهذا
المبدأ
استقرت عليه كافة
التشريعات
العربية
ورتبت على
مخالفته جزاء
البطلان
وقد
اتفق الفقه
على أن هذا البطلان
يتعلق
بالنظام
العام، ولا
يجوز الاتفاق على
خلافه.
المحل
الذي يرد عليه
البطلان:
أجمعت
النصوص
القانونية
على أن البطلان
يقتصر على
حُكم التحكيم
الصادر من
هيئة مُشكلة
بالمخالفة
لقاعدة
الوترية،
وليس اتفاق التحكيم
ذاته.
والنتيجة
إذا
تم الاتفاق على
التحكيم، ثم
تم الاتفاق لاحقًا
على تشكيل
هيئة التحكيم
من عدد زوجي.
فإن البطلان
يقتصر على الاتفاق
الثاني المتعلق
بتشكيل هيئة
التحكيم
مخالفًا
لقاعدة
الوترية دون اتفاق
التحكيم الذي
يبقى صحيحًا منتجًا
لآثاره.
عندئذ
يُطبق الحكم
الذي قرر
المشرع لعدد
المحكمين،
وهو تكوين
هيئة التحكيم
من ثلاثة
محكمين.
(ب) إذا
تم الاتفاق على
التحكيم وتم
تحديد عدد
المحكمين
باثنين في ذات
الاتفاق؛ فيكون
الاتفاق صحيحًا
في شق (الاتفاق
على التحكيم)،
وباطلًا في
شقه الآخر (اتفاق
تشكيل الهيئة)
(ج) إذا كان
المحكمين
مسميين
بالاسم باتفاق
التحكيم،
وكان مبعث
اللجوء إلى التحكيم
هو الثقة
بهما، عندئذ
يكون اتفاق التحكيم
باطلًا بحد
ذاته.
يترك
أمر تعيين
المحكمين لأطراف
النزاع سواء
بشكل مباشر،
أو بشكل غير
مباشر.
التعيين
المباشر
المقصود
به اتفاق الأطراف
مباشرة على
تعيين
المُحكم، أو المحكمين.
فإذا
كانت الهيئة
مشكلة من محكم
فرد، فإن الطرفين
يقومان
باختياره باتفاقهما
عليه.
أما
إذا كانت
الهيئة مشكلة
من ثلاثة
محكمين؛
فيعود
للطرفين الاتفاق
على كيفية
تشكيل الهيئة.
مثال:
يختار
كل طرف محكمًا،
ويتفق
المحكمان على
المُحكم
الثالث الذي
يتولى رئاسة
الهيئة، أو أن
يتم اختيار المحكمين
الثلاثة بالاتفاق
معًا.
مبدأ
المشاركة
والمساواة:
هناك
قيد على حرية
الطرفين في الاتفاق
على اختيار المحكمين،
وهوما يُعرف
بمبدأ
المشاركة،
والمساواة في
الاختيار والذي
يستوجب تساوىٍ
في دور
الطرفين في
تحقيق هذا
الاختيار.
بالتالي
يقع باطلًا
كل شرط يقضي:
ـ باستقلال
أحدهما دون الآخر
باختيار هيئة
التحكيم.
ـ اختيار
طرف عددًا من
المحكمين
يفوق العدد
الذي يقوم الآخر
باختياره.
ـ أن يختار
كلًا من
الطرفين
محكم، ويخول لأحدهما
منفردًا اختيار
المُحكم
الثالث.
وقد
ذهبت محكمة
النقض
الفرنسية إلى أن:
"مبدأ
المساواة بين
المحتكمين في
تعيين المحكمين
من النظام
العام؛ فلا
يمكن التنازل
عنه إلا بعد
قيام النزاع"
الأصل
أن
تعيين
أشخاص
المحكمين
يكون
بأسمائهم،
ولكن لا مانع
من تعيينهم
بصفاتهم،
بشرط أن تكون
الصفة قاطعة
في الدلالة
على شخص
المُحكم.
كان
يقال مثلًا:
عميد كلية
الحقوق
بجامعة. . . . . . . . . . . . ، أو
نقيب
المحامين،
أما
إذا ذكر الاتفاق
صفة معينة
يمكن أن تتوفر
في أكثر من
شخص كأستاذ
القانون
التجاري
بكلية الحقوق
بجامعة. . . . . . . . . . . . ،
فلا يعتبر هذا
التعيين صحيحًا.
وقد
قضت المادة 1448/2
من قانون
المرافعات الفرنسي
بأنه:
إذا
لم يقم الأطراف
بتعيين
المحكمين
بأسمائهم،
ولم يبينوا
الطريقة التي
يتم على
أساسها تعيينهم
كانت مشارطة
التحكيم
باطلة.
التعيين
الاتفاقي غير
المباشر
سلطة
التعيين
يكون
ذلك باتفاق الطرفان
على تعيين شخص
معين باسمه،
أو بصفته لاختيار
المُحكم، أو المحكمين.
مثال:
الاتفاق
على تعيين
عميد كلية
الحقوق
بجامعة. . . . . ، أو
نقيب
المحامين لاختيار
هيئة التحكيم.
الاتفاق
على اختيار جهة
معينة مثل:
مركز تحكيم. . . . . . لاختيار
هيئة التحكيم.
ويسمى
(الغير المناط
به) تشكيل
هيئة التحكيم (سلطة
التعيين)
وقد
يتفق الطرفان
على تفويض
الغير (سلطة
التعيين) ليس
باختيار المُحكم
ابتداءً،
وإنما عندما
ينشب خلاف بين
الطرفين على
تعيين المُحكم
الفرد، أو عندما
يتخلف طرف عن
تعيين محكمة،
أو إذا تخلف
المحكمين
المعينان من
قبل الطرفين
على اختيار المُحكم
الثالث (المرجح)
عندئذ
يتم اللجوء
إلى سلطة
التعيين من
أجل القيام
بهذا التعيين.
الحكمة
من ذلك:
تجنب
اللجوء لرفع
دعوى قضائية
أمام المحكمة
المختصة من
أجل تعيين
المحكم، وما قد
يتطلبه ذلك من
وقت وجهد.
ميعاد
اختيار هيئة
التحكيم:
قد
يتم اختيار هيئة
التحكيم في اتفاق
التحكيم
ذاته، وقد يتم
في اتفاق لاحق.
فاختيارالمحكمين
ابتداء ليس
أمرًا لازمًا
لوجود اتفاق التحكيم
ذاته.
ما
دام المشرع
رسم طريقًا
آخرًا للاختيار
عند خلو اتفاق
التحكيم من اختيار
هيئة
التحكيم، أو فشل
الأطراف في الاتفاق
على تشكيل
الهيئة.
تنبيه:
إذا
اتجهت إرادة الطرفين
إلى تعليق اتفاق
التحكيم على
التوصل إلى اتفاق
بشأن هيئة
التحكيم
هنا
يتوقف نفاذ اتفاق
التحكيم على
التوصل لاتفاق
بشأن اختيار المحكمين.
الاختيار
الضمني
للمحكم:
اختيار المُحكم
قد يكون ضمنيًا
كما لو اتفق أطراف
النزاع على أن
يكون التحكيم
وفقًا للقواعـد
التي تتبعها
هيئة معينة،
وكانت قواعد
تلك الهيئة أن
تتولى هي اختيار
المُحكم، أو هيئة
التحكيم في
هذه الحالة
يُعتبر
المُحكم الذي
اختارته تلك
الهيئة قد تم
اختياره من أطراف
النزاع.
وهذا
هو المُتبع
غالبًا فيما
يعرف
بالتحكيم
المؤسسي مثل:
التحكيم وفق
قواعد غرفة
التجارة
الدولية تبعًا
لقواعد محكمة
التحكيم
الدائمة؛
فنجد أنه غالبًا
ما تتولى هيئة
التحكيم
الدائمة تعيين
محكمة تحكيم
مستقلة لكل
منازعة تحكيم.
القاعدة
الثالثة:
اختيار
الطرف لمحكمه
عمل إجباري
على
الرغم من احترام
سلطان إرادة الأطراف
في نظام
التحكيم، إلا
أنه لابد من
مرعاة أن أي عمل
يمس هيئه
المحكمين من
قبل أطراف
المنازعة ـ في
الإنشاء أو بعد
الإنشاء ـ له
طبيعة خاصة.
فاختيار
الأطراف
لمحكميهم عمل
إجباري.
فهو
مفروض عليهم
بواسطه اتفاق التحكيم،
ولا يجوز
التقاعس عنه،
ولا يجوز
إعمال
المصلحة فيه
فحرية
أطراف
المنازعة في اختيار
المحكمين
ملزمة،
وينحصر سلطان
الإرادة فقط
في حرية الطرف
في تعيين
المحكم.
ولكنه
مجبر على
التعيين،
ومجبر على أن يراعي
القواعد
العامة في اختيار
المحكمين.
وللطرف
الآخر سلطة
الرقابة على
الاختيار،
وسلطة الإجبار
على التعيين.
وإذا
تقاعس الطرف
في تعيين محكمه،
أو تقاعس عن
الموافقة على
المُحكم
الفرد الذي عينه
الطرف الآخر فإنه،
كالتالي:
فى
حالة التحكيم
متعدد الأطراف
يكون
للطرف الآخر اللجوء
إلى المحكمة
المختصة لاختيار
المُحكم أو بقية
الهيئة.
أما
في حالة
المُحكم الفرد
فإن
المهمة
التحكيمية
تسير على
الرغم من تقاعس
الطرف.
وهذا
من أهم ما
يميز التحكيم
عن باقي
الوسائل البديلة
في فض المنازعات.
فهو
مُلزم في الالتجاء
إليه فور وجود
اتفاق التحكيم.
وهو
مُلزم في
السير به حتى
الفصل في
النزاع.
ملزم
في اتباع القواعد
الموافقة
لصحيح القانون.
وهو
ما سنتناوله
بالتفصيل في
حينه.
القاعدة
الرابعة
قبول
المُحكم
لمهمته
كتابة، ووجوب
الإفصاح عن أي
ما يثير الشك
فيه
عند اختيار
المُحكم،
وتعيينه من
قبل الأطراف،
أو تعيينه من
قبل الغير، أو
عن طريق
المحكمة
المختصة، أو عن
طريق هيئة، أو
مركز للتحكيم.
فإن
قبول المُحكم
للقيام بمهمة
التحكيم،
وموافقته يجب
أن تكون
بالكتابة إلا
أن المشرع لم
يحدد شكلًا
معينًا لهذه
الكتابة.
فيجوز
أن تتم في
صورة رسائل
يرسلها
المُحكم إلى الخصوم
بموافقته
شريطة أن يكون
هذا القبول
صريحًا. ([1])
فالتحكيم
عمل إرادي ليس
فقط بالنسبة لأطراف
النزاع
التحكيمي، بل
لمن يتولى
مهمة التحكيم؛
فيجب أن يقبل
المُحكم مهمة
التحكيم.
هـذا
ما قررته كافة
التشريعات، والاتفاقيات
الدولية، وهو
ما قررته
المادة 16
الفقرة
الثالثـة من
قانون المصري
التحكيم،
وأوجبت أن يكون
قبول المُحكم
القيام
بمهمته
كتابة، وأن
يفصح لدى
موافقته عن
أية ظروف من
شأنها آثارة
شكوك حول استقلاله،
أو حيدته.
إذن
قبول المُحكم
القيام بمهمة
التحكيم، مقيد
بقيدين:
القيد
الأول:
أن يكون قبول
المُحكم
القيام
بمهمته كتابة.
القيد
الثاني:
أن يفصح لدى
موافقته عن
أية ظروف من
شأنها آثارة
شكوك حول استقلاله،
أو حيدته
وقد
أكدت هذا المعنى
المادة
9 من قواعد
اليونسترال
والمادة
19 من لائحة
جمعية
المحكمين
الأمريكيين
المادة
11 فقرة 5 من
القانون
النموذجي
للتحكيم التجاري
الدولي
بنصها
على ضرورة أن تراعى
سلطة تعيين
المُحكم أن يكون
المُحكم الذي
تعينه مستقلًا
ومحايدًا،
والمادة
10 من لائحة
لندن للتحكيم والتي
تقضي بأن:
"تُخول
هذه اللائحة
للمحكمة الحق
في رفض تعيين
المحكمين
الذين
اختارهم أطراف
النزاع إذا
قدرت أنه لا
يتوافر فيهم
الحيدة، والاستقلال.
ويُعد
عدم إفصاح
المُحكم عن
أية ظروف من
شأنها آثارة
شكوك حول استقلاله،
أو حيدته من الأسباب
القانوني
التي تبرر رفع
دعوى بطلان حكم
التحكيم.
وهذا
ما أجمعت عليه
التشريعات
العربية ([2])
أهمية
الإفصاح عما
يخالف معياري
الحيدة والاستقلال
قبل
التعيين
ألزمت
الفقرة (2) من
المادة (7) من
قواعد
التحكيم
لغُرفة
التجارة
الدولية
"على
المُحكم،
وقبل تعيينه
أن يوقع على إقرار
بأنه مستقل،
وأن يفصح
كتابة عن أي حقائق،
أو ظروف يُمكن
أن يكون من
طبيعتها آثارة
موضوع استقلاليته
في نظر أطراف
التحكيم،
وتوجب
الفقرة (1) من
المادة (12) من
قواعد
اليونسترال
"على
الشخص الذي
يحتمل تعيينه محكمًا
أن يفصح عن
الظروف التي يمكن
أن تثير شكوكًا
مبررة حول
حياده، واستقلاليته".
وهذا
ما قضت به
أغلب
التشريعات
العربية فقد أوجبت
الفقرة (ج) من
المادة (15) من
قانون
التحكيم الأردني
على المُحكم
أن يُفصح عند
قبولـه
التحكيم عن أي
ظروف من شأنها
آثارة شكوك
حول حيدته واستقلاله.
أما
بعد تعيين المُحكم
فقد
أوجبت الفقرة (3)
من المادة (7) من
قواعد
التحكيم
لغرفة
التجارة
الدولية
"على
المُحكم أن يفصح
فورًا وكتابة
لسكرتارية
الغرفة،
ولطرفي
التحكيم خلال
نظر التحكيم
عن أي حقائق،
أو ظروف من
طبيعتها آثارة
موضوع استقلالية
المحكم".
وكذلك
هي معظم أن لم
تكن كل قواعد
التحكيم
الدولي،
والإقليمي،
والوطني.
وتتضمن
معظم مدوَّنات
السلوك
الخاصة
بالمحكمين
نصوصًا توجب
على المُحكم.
عند
تعيينه
الإفصاح
عن الظروف
التي يمكن أن ينتج
عنها (إذا نظر
فيها
بموضوعية)
شكوك فيما
يتعلق باستقلاله
وحيدته.
بعد
تعيينه، وأثناء
نظر التحكيم
الإفصاح
عن الظروف
التي يمكن أن تثير
مثل تلك
الشكوك.
بل
وتلزم هذه
التشريعات
المُحكم بأن يوقع
إقرارًا Declaration حول استقلاليته،
وحيْدته عند
تعيينه، وأثناء
النظر في
التحكيم إذا
كان لذلك موجبًا.
يهدف
الإفصاح قبل
التعيين أن يكون
كل من طرفي
التحكيم على
علم بالظروف،
والحقائق
التي يمكن أن تؤثر
حول استقلالية
المُحكم،
وحيْدته.
فإما
أن يقبل
بتعيين
المُحكم على
الرغم مما
تضمنه الإفصاح.
وإما
أن لا يقبل
ذلك التعيين
بسبب ذلك
الإفصاح.
بمعنى
أن الأمر
متروك لتقدير
الخصم؛ فإما
أن يقبل تعيين
المحكم، أو لا
يقبله.
ويهدف
الإفصاح أثناء
نظر التحكيم
إلى
طرح الثقة مرة
ثانية في
المُحكم
نتيجة لظروف،
أو حقائق
جدَّت بعد
تعيين
المحكم، وهذا
الإفصاح
كسابقه يمكن
أن يفضي إلى
أن يطلب
المُحتكم رد
المُحكم، أو
إلى استمرار
المُحكم في
نظر التحكيم
إذا لم يعترض
المحتكم([3])
معايير
الإفصاح عن
شرطي الحيدة،
والاستقلال
ما
هو المعيار
الذي يلجأ إليه
المُحكم عند
الإفصاح؟
أو
ما هي الحقائق،
أو الظروف
التي يمكن أن تثير
الشكوك في استقلالية
المُحكم، أو حيْدته
فيتوجب عليه
الإفصاح
عنها؟
وهل
يعود للمُحكم
تقدير ما إذا
كان حقيقة ما،
أو ظرف ما
يمكن أن يثير
شكوكًا في استقلاليته،
أو حيدته؟
للإجابة
يمكن القول
بأن قواعد
التحكيم
الدولية،
والوطنية تنص
على أن الشكوك
المشار إليها،
(والتي هي
بالضرورة
نابعة عن
حقيقة ما أو ظرف
ما) يجب أن تكون
شكوكًا مبررة Justifiable
Doubts،
وكذلك
هي أدبيات
التحكيم
المختلفة،
ومدونات سلوك
المحكمين
تشترط في تلك
الشكوك أن تكون
مبررة Justified
لكن.
.
ما هو
المعيار الذي
يمكن الركون إليه
لاعتبار شكوك
ما مبررة، وأخرى
غير مبررة،
واتفق عليه
فقها وقضاءً
أن المعيار
الأرجح
لتحديد ذلك،
هو معيار
الشخص العادي Reasonable
Person.
فإذا
كانت حقيقة ما،
أو ظرف، أو ظروف
ما، تثير شكوكًا
في استقلالية،
أو حيدة
المُحكم لدى
الشخص العادي الذي
لا يعرف
المحكم، كانت
شكوكًا مبررة Justifiable
Doubts
وإلاَّ فلًا.
وإن
كان هناك من
يرى أن التقدير
الابتدائي
لما إذا كانت
حقيقة ما، أو ظرف
ما يمكن أن يثير
شكوكًا في استقلالية
محكم، أو حيدته
هو في الأساس
عائد لنفس
المُحكم،
أي أن المعيار
هنا هو معيار
شخصي Personal،
وهو يختلف من
محكم إلى محكم
آخر، حيث يقدر
المُحكم في
إفصاحه
الحقائق،
والظروف التي
يرى أنها يمكن
أن تثير
الشكوك في استقلاله،
وحيْدته
ولكن
ماذا يكون
الحال لو لم
يتطابق تقدير
المُحكم، (وهو
يتم طبقًا
لمعيار شخصي)
مع ما يمكن أن يفرزه
إعمال معيار
الشخص العادي.
مثال:
قد لا
يفصح المُحكم
عن حقيقة، أو ظروف
هي من وجهة
نظره لا تثير
الشك في حين
أنها بمعيار
الشخص العادي
تثير الشك، ثم
علم بها الخصم
بعد تعيين
المُحكم
وهو
جدال فقهي قد
لا يتسع
المقام للغوص
في بحره إلا
أنه يمكن
القول بأن هناك
عددًا من
الحقائق،
والظروف متفق
على أنها تثير
الشكوك في استقلالية
وحيْدة
المُحكم
وقد
أشارت إلى هذه
الحالات معظم
مدّونات سلوك
المحكمين، والعديد
من قواعد
التحكيم
الدولية،
والوطنية.
مثال
ذلك:
* إبداء
المُحكم رأيًا
سابقًا بشأن
النزاع.
* وجود
مصلحة للمحكم
تتعلق بنتيجة
الحكم في
النزاع.
* أن
يكون سبق
للمحكم تمثيل
الخصم في خصوص
نفس النزاع
إلى غير ذلك
من الحقائق،
والظروف التي
لا اختلاف على
أنها تثير
الشكوك لدى
الخصم حول استقلالية
وحيْدة
المُحكم.
* إذا
قبل الخصم
تعيين
المُحكم
بالرغم من
الإفصاح الذي
قدمه المحكم،
وتبين للخصم
بعد بدء إجراءات
التحكيم أن هناك
ظرفًا، أو حقيقة،
أو أكثر لم
يأت المُحكم
على ذكرها في
إفصاحه،
ولكنها تثير
الشكوك في استقلالية
المُحكم، أو حيدته.
* أو
أن هناك ظرفًا
قد طرأ بعد
بدء إجراءات التحكيم
يجعل الخصم
يشك في أن المُحكم
قد لا يكون
مستقلًا، أو محايدًا
في نظر
النزاع، كان
من حق الخصم
أن يطلب رد
المحكم.