المبحث الأول: عدول المُحكم عن قبول مهمته وتنحيه وعزله

الباب الثالث: هيئة التحكيم

الدرس الثالث: العوارض الخاصة بهيئة التحكيم

المبحث الأول: عدول المُحكم عن قبول مهمته وتنحيه وعزله

مفهوم العزل والتنحي

التنحي

 يعني تقديم طلب من المُحكم المعين يطلب من خلاله إعفائه، أو قبول استقالته من هيئة التحكيم؛ لأسباب عامة، أو خاصة تؤثر في العدالة، أو في سير التحكيم.

إذا تم قبول الطلب يتم تعيين محكم بديل بنفس طريقة التعيين السابق.

التنحي إذاً هو

 تصرف إرادي من جانب المُحكم إذا استشعر أنه عاجز عن أداء مهمة التحكيم بعد أن قبلها.

التنحي ضمانة من ضمانات التحكيم الهامه للمحكم الذي يريد أن يحافظ على استقلاله أمام الخصوم، وأيضًا الذي يريد أن يحافظ على صورته العامة أمامهم.

التنحي حق للمحكم؛ لإعفائه من حرج طلب رده، أو عزله إذا عجز عن أداء مهمته التحكيمية؛ لأسباب تتعلق به، أو تتعلق بموضوع النزاع، تبينت له بعد قبوله المهمة.

ملحوظة

* في الآونة الأخيرة بدأ يظهر من المحكمين المختارين من قبل أحد أطراف النزاع نوعية من المحكمين الذي يعتبر نفسه وكيلًا عن الطرف الذي عينه؛ فيتبنى وجهة نظره، ويدافع عن مصالحه –، وهو ما تعارف عليه بمصطلح (المُحكم المحامي).

* إذا تبين له عند المداولة أن القرار سيصدر ضد مصلحة الطرف الذي عينه بادر إلى الاستقالة، أو الامتناع عن إكمال المشاركة في الإجراءات، بهدف تأخير، أو تعطيل إصدار حكم التحكيم.

وهذه الظاهرة تبتعد عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المحكم، من الاستقامة، والنزاهة، والحياد، والاستقلال.

إجراءات التنحي 

يتم التنحي بذات إجراءات التنحي المتعارف عليها في الهيئات القضائية.

ولكن الفارق هنا يكمن في طبيعة المُحكم 

 فالمُحكم موكول بمهمة خاصة لصالح أطراف التداعي، وهي الفصل في نزاعهم، مما يستوجب في بعض الأحيان توقيع عقوبات عليه في حالة إساءة استعمال حقه في التنحي، للضرر بمصالح طرف أو أطراف النزاع.

مفهوم التنحي في ضوء قضاء النقض

" تنحية القاضي عن نظر الدعوى لسبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 315 من قانون المرافعات ـ ومنها رابطة المودة بأحد الخصوم التي يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ـ إنما يكون بطلب رده عن نظر الدعوي، أو بأن يكون القاضي قد استشعر الحرج من نظرها لأي سبب ورأت هيئة المحكمة، أو رئيسها إقراره على التنحي، وتقدير مبلغ هذا التأثير متروك لضمير القاضي نفسه. 

والتنحي يجد مكانه في نصوص معظم القوانين التحكيمية.

وفي ضوء تلك القوانين، نجد أن التنحي أداة إجرائية في يد المُحكمين لا في يد الخصوم، وتجد لها أهمية للمحكم، ولعملية التحكيم على حد سواء.

أهمية التنحي للمحكم:

ـ التنحي يمكن المُحكم من تجنب الحرج، والحفاظ على ماء وجهه.

ـ يمكنه من الحفاظ على استقلاليته عن أطراف الخصومة.

أهميته للعملية التحكيمية

إنه في حالة المُحكم المطلوب رده أو عزله؛ فإن المُحكم يجد في يده أداة للتنحي، وبالتالي يجنب العملية التحكيمية مشقة الوقت اللازم لاتباع إجراءات الرد.

 العزل كأداة في يد الخصوم (العزل الاتفاقي)

العزل هو مقابل التنحي، ومثيل الرد، وإن اختلف عن التنحي في إنه: أداة في يد الخصوم موجهة إلى المحكم، وأداة في يد الخصوم موجهة إلى بعضهم.

ويختلف عن الرد في طبيعته الإجرائية 

فالعزل من الصور المتبعة فقط في وسائل فض المنازعات البديلة.

أما القاضي الطبيعي؛ فلا يجوز عزله بل يجوز رده فقط.

وحتى رد القاضي في القضاء الطبيعي له آثار أعمق بكثير من الرد في مجال التحكيم 

العزل الاتفاقي

من الضمانات الهامة التي تقررها معظم التشريعات لأطراف خصومة التحكيم في مواجهة المحكم إمكانية اتفاقهم على عزله، وهو ما أخذ به المشرع المصري في المادة (20) تحكيم مصري والتي تنص على:

" إذا تعذر على المحكم أداء مهمته، أو لم يباشرها، أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم، ولم يتنحى، ولم يتفق الطرفان على عزله، جاز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بإنهاء مهمته بناء على طلب أي من الطرفين ".

ولم يحدد المشرع أسبابًا لعزل المحكم، وإنما ترك الأمر لمشيئة أطراف الخصومة.

وإمكانية عزل المحكم، واستبداله كضمانة للخصوم تقررها أيضًا المادة (12/1) من نظام غرفة التجارة الدولية بباريس، وكذلك أيضًا المادتان (1،15) من القانون النموذجي للتحكيم.

والعزل صورة خاصة لإبراز صورة الوكالة الخاصة بين المُحكم، ومن قام بتعيينه من الخصوم.

 هي ضمانة من ضمانات الخصوم في مواجهة المُحكم الذي قد يتجاوز قواعد السلوك العام للمحكمين، ويوهم الخصوم بما يجعلهم يقبلوا بتعيينه.

فالعزل الاتفاقي هو اتفاق أطراف المنازعة في مواجهة المحكمين في حالات معينة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها من قبل الخصوم، بموجبها يجتمع الخصوم على عزل المُحكم لأسبابه.

ذلك النوع من العزل لا يجوز أن ينفرد به أحد الخصوم، كما لا يجوز أن ينفرد به الخصوم في مواجهة المُحكم المعين من قبل الخصم المقابل.

وفى بعض القوانين لم يحدد المشرع أسبابًا لعزل المُحكم

 فقد يتراءى للخصوم عدم كفاءته، أو قلة خبرته، أو ضعف أمانته إلى غير ذلك من الأسباب التي يرى فيها الخصوم عدم الاطمئنان إلى عمله.

 ولا يشترط أن يفصح الخصوم عن سبب عزلهم للمحكم، وإنما يتعين أن يتم العزل باتفاقهم جميعًا؛ فلا يجوز عزل المُحكم من جانب أحد الخصوم منفردًا.

 تذكر أن:

* اتفاق الأطراف على عزل المُحكم لا يؤثر بحال على اتفاق التحكيم.

 أي أن عزل المُحكم باتفاق الخصوم ليس سببًا لتحللهم من الالتزام بالتحكيم، بل يتعين تعيين بديل له طبقًا للإجراءات التي اتبعت في اختيار المُحكم الذي أنهيت مهمته.

إذن.. 

العزل الاتفاقي يتم بمقتضى اتفاق الأطراف في مواجهة المُحكم؛ لاكتشافهم أسباب تتعلق بحالة من حالات العزل ظهرت بعد التعيين لهذا المُحكم، وهذه الحالات: 

·        إما تتعلق بحياد، واستقلال المُحكم

·        إما تتعلق بأسباب تبينها الخصوم بعد تعيين المُحكم تجعله غير مطابقًا لما اتفقوا عليه سلفًا في محكمهم.

·        وإما تتعلق بأسباب جعلت المُحكم غير صالح لأداء مهمته التحكيمية بعد صلاحيته أثناء تعيينه.

·        وإما تتعلق بأسباب ترجع إلى تعنت المُحكم، أو عدم أدائه لعمله.

ملحوظة 

هناك بعض التشريعات قرنت أسباب عزل المُحكم بأسباب الرد.

وتشريعات أخرى جعلت من اتفاق الأطراف شرط العزل الوحيد.

مثل: قانون التحكيم بالإمارات، والذي نص في قانون إجراءات المحاكم المدنية المادة (207)على أنه:

3ـ ولا يجوز عزله إلا بموافقة الخصوم جميعاً. غير أنه يجوز للمحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع، وبناءً على طلب أحد الخصوم إقالة المُحكم، والأمر بتعيين بديل عنه بالطريقة التي جرى تعيينه بها ابتداء.

وذلك في حالة ثبوت أن المُحكم أهمل قصدًا العمل بمقتضى اتفاق التحكيم رغم لفت نظره خطيًا بذلك([1]).

 العزل القضائي وإجراءاته

يمكن للمحكمة بناء على طلب الخصوم أن تفصل في طلب عزل محكم.

والمحكمة هنا ملتزمة بنفس قواعد رد المُحكم من حيث الأسباب.

وأيضًا يمكن ذلك بطلب إنهاء صلاحيات المُحكم المستمدة من اتفاق التحكيم، وإقراره بقبول التحكيم على أن المحكمة لا تلتزم بإجابة الطلب بشكل عفوي، أو فوري، وإنما للمحكمة سلطة تقديرية في إجابة الخصم لطلبه، أو رفضه وفقًا لقناعتها بالمبررات التي يسوقها طالب إنهاء المهمة.

يتم العزل بطلب موجه من الخصوم، أو أحدهم إلى المحكمة المختصة على أن تفصل تلك المحكمة في طلبه على هيئة أمر مستعجل كما في طلب الرد.



(1) الامارات, قانون الإجراءات المدنية رقم 3 لسنه 1970 (الامارات, 1970)