المبحث الأول: تفسير اتفاق التحكيم

الباب الثاني: اتفاق التحكيم

الدرس الرابع: نطاق اتفاق التحكيم

المبحث الأول: تفسير اتفاق التحكيم

تفسير اتفاق التحكيم لتحديد نطاق مسألة تقديرية بحسب كل حالة على حدة.

 


خضوع التفسير للقواعد العامة

ويخضع تفسير اتفاق التحكيم للقواعد العامة في تفسير العقود.

ومن هذه القواعد أنه:

إذا كانت عبارة العقد واضحة؛ فلا يجوز الانحراف عنها بحجة تفسير العقد.

إذا كان هناك محل لتفسير العقد؛ فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، مع الأخذ بالاعتبار طبيعة التعامل السابق والأعراف.

إذا كان هناك شك في تفسير بند من بنود العقد؛ فإن هذا الشك يفسر لمصلحة المدين.

ومع ذلك اتجهت بعض أحكام القضاء إلى القول بأن الإحالة للتحكيم هي خروج عن الأصل، أو هي استثناء منه لذلك يجب تفسير الاتفاق تفسيرًا ضيقًا ما أمكن.

 مثال:

قد ينص بند التحكيم على أنه يتعلق بتنفيذ العقد في هذه الحالة، لا يطبق الشرط على فسخ العقد، أو بطلانه.

لكن هذا يصعب تطبيقه على التحكيم الدولي، حيث يميل الاتجاه لصالح التحكيم، أي تفسير شرط التحكيم تفسيرًا واسعًا بما يشمل عقد الاختصاص لهيئة التحكيم.

 مثال:

قد ينص العقد في أحد بنوده على اختصاص القضاء، ولكن في بند آخر ينص على الإحالة إلى التحكيم.

في هذا المثال:

 يعتد ببند الإحالة إلى التحكيم، وليس ببند الإحالة إلى القضاء.

مثال:

إذا نص البند على أنه: تم الاتفاق على إحالة النزاع إلى غرفة التجارة الدولية في سويسر؛ فإنه يحكم بصحة هذا الشرط بالرغم من عدم وجود تلك الغرفة في جنيف وإنما باريس، وعندئذ يحال إلى النزاع إلى الغرفة في باريس.

القواعد العامة في تفسير العقود

المبدأ الأول إذا كانت عبارة العقد واضحة؛ فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين([1])، وتطبيق هذه القاعدة على اتفاق التحكيم، بل يتوجب تطبيقها باعتبارها قاعدة عامة ما لم يوجد نص خاص يقضي بخلافها، وهذه القواعد معمول بها في كافة التشريعات العربية ([2]).

مثال: عقد بيع يرد فيه شرط تحكيم ينص على أن أي خلاف بين الطرفين ناجم عن العقد يحال للتحكيم وفق قواعد مركز. . . . . . . . . . . . .

من الواضح في هذا المثال أن هناك إحالة للتحكيم من جهة، وأن الإحالة للتحكيم خاصة بعقد البيع الأصلي وليس بغيره، وأن الجهة المسئولة عن إدارة العملية التحكمية هي. . . . . . . . . . . .

وبناء عليه، ليس للجهة المعنية بالتفسير([3]) الخروج على هذه العبارات الواضحة بحجة تفسير إرادة المتعاقدين.

ولكن قد لا تكون إرادة الطرفين واضحة على النحو المذكور، وإنما ينتابها غموض بحيث يقتضي الأمر تفسير عبارات الاتفاق لإزالة هذا الغموض.

" قضت محكمة النقض بأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى، وإعطائها وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح، وتفسير العقود، والإقرارات، وسائر المحررات، والشروط المختلف عليها، واستظهار نية طرفيها بما تراه، أو في مقصودها مادامت قد أقامت قضائها على أسباب سائغة، وطالما لم تخرج في تفسيرها عن المعنى الظاهر بعباراتها لما كان ذلك، وكان البين من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه خلص، وفي نطاق ما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديرية إلى أن المديونية الثابتة بالمحرر .../.../1978 ناشئة عن عقد المقاولة المؤرخ في .../.../1974 المبرم بين الطرفين، والذي تضمن القيد 24 منه تنظيم وسيلة التحكيم في جميع المنازعات، والخلافات التي تثور بينهما عند تنفيذ هذا العقد، أو تفسيره، أو التي تنشأ بسببه، أو في حالة وقفه، أو إنهائه، طارحًا دفاع الطاعنت بأن المطالبة محل الدعوى سندها إقرار بالمديونية مستقل بذاته عن العقد، ورتبت على ذلك قضائها بقبول الدفع المبدى من المطعون عليها بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، واختصاص هيئة التحكيم بجنيف بالفصل فيها طبقًا لشروط التحكيم المتفق عليه بالعقد سالف الإشارة إليه، وكان هذا الاستخلاص سائغًا، وله سنده من أوراق الدعوى، ويكفي لحمل قضاء الحكم المطعون عليه، والرد على دفاع الطاعن الذي تمسك به؛ فإن النعى على الحكم يكون على غير أساس.

المبدأ الثاني:

إذا كان هناك محل لتفسير العقد؛ فيجب البحث عن النية المشتركة للطرفين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقًا للعُرف الجاري في المعاملات، وهو ما تنص عليه القوانين العربية ([4]).

والعبرة بما انصرفت إليه إرادة الأطراف إلى فض نزاعهم بالتحكيم، وبما جاء في اتفاق التحكيم.

وهو ما ذهبت إليه أيضًا محكمة النقض الفرنسية مؤكدة ضرورة عدم التوسع في مدلول موضوع النزاع المطروح على التحكيم بحيث يتعين تحديده تحديدًا حرفيًا طبقًا لما ورد في اتفاق الخصوم.

المبدأ الثالث:

الشك يفسر لمصلحة المدين، وهو ما أخذت به القوانين العربية ([5]).

التفسير الضيق لاتفاق التحكيم:

اتجه القضاء في الدول العربية إلى تفسير اتفاق التحكيم تفسيرًا ضيقًا باعتبار التحكيم خروجًا عن الأصل وأنّ الولاية العامة للقضاء.

في ضوء ذلك، وأمام مبدأ أن اتفاق التحكيم هو مصدر سلطة المحكمين، وهو الذي يحدد نطاق التحكيم

والمسائل التي تدخل فيه، وأن البند التحكيمي يفسر دائمًا تفسيرًا ضيقًا مع التزام ألفاظه، وعدم تأويلها إلا بما يتطابق معها من معان.

في ضوء ذلك تكون مسألة صياغة البند التحكيمي مسألة في غاية الأهمية، وأن الصياغة الرديئة لاتفاق التحكيم من شأنها أن تهدر العملية التحكيمية برمتها، وقد تحول دون إعمال بند التحكيم، أو إبطال الحكم التحكيمي.



(1) المادة (150/1/مدني مصري)، والمادة (239/1/مدني اردني)، والمادة (265/1/معاملات مدنية اماراتي). وذهبت محكمة النقض المصرية الى ان المقصود من "الوضوح" في النص هو وضوح الارادة وليس وضوح اللفظ (نقض مدني رقم 1463، تاريخ 27/12/1978، المكتب الفني لسنة 29، ص 2053).

(2) ومثال ذلك في مصر نقض مدني رقم 1646، تاريخ 28/3/1988، المكتب الفني لسنة 39؛ وفي دبي طعن مدني رقم 19، تاريخ 21/11/1998، مجلة القضاء والتشريع، العدد 9، ص 784؛ وفي ابو ظبي طعن مدني 412، تاريخ 17/11/1998، العدالة، العدد 20، ص 1172؛ وفي الاردن تمييز حقوق 2112/99، مجلة نقابة المحامين لسنة 2002، ص 749.

(1) وقد تكون هذه الجهة هيئة التحكيم ذاتها او المحكمة المختصة حسب الاحوال. في هذه المسألة وفي تفسير اتفاق التحكيم عموما، انظر تفصيلا Fouchard, Gaillard and Goldman, op. cit, paras. 743 et seq.

(2) المادة 151/1/مدني مصري؛ والمادة 239/2/مدني اردني؛ والمادة 265/2/معاملات مدنية اماراتي.

(3) المادة 151/1 مدني مصري؛ والمادة 240/1 مدني اردني؛ والمادة 266/1 معاملات مدنية اماراتي.