الباب الرابع: خصومة التحكيم
الدرس الثالث: الإثبات أمام المحكمين
المبحث الأول:
القواعد العامة في الإثبات أمام المحكمين
* يجري الإثبات أمام المحكمين كما يجري أمام محاكم الدولة.
* يكون الإثبات بأدلة الإثبات المقررة قانونًا بالنسبة للواقعة المراد
إثباتها بالنظر إلى قوة كل دليل، وأهميته في تكوين اقتناعها.
* البينة على من ادعى؛ فعلى من يدعي واقعة عبء إثباتها.
* من يتمسك من الطرفين بواقعة من مصلحته الاستناد إليها، يتحمل عبء
إثباتها.
* يمكن للطرفين الاتفاق على نقل عبء الإثبات من أحدهما إلى الآخر.
* إذا لم يثبت أحد الطرفين الواقعة؛ فلا يجوز للمحكم الاستناد إليها في
حكمه، ولو كان – حسب علمه الخاص – متأكدًا من ثبوتها.
تنبيه
* يجب لقبول إثبات الواقعة،
أن يكون من الجائز إثباتها.
فلا يجوز إثبات واقعة مستحيلة
ولا يجوز إثبات الواقعة التي منع القانون إثباتها حماية للنظام العام،
أو الآداب.
* يجب أن يكون إثبات الواقعة مجديًا، بأن تكون واقعة محددة، ومتعلقة
بالدعوى.
* يجب أن تكون الواقعة جائزة الإثبات بالدليل المطلوب تقديمه وفقًا لنظام
الإثبات الواجب التطبيق.
مثال:
لا يقبل سماع شهود لإثبات واقعة
لا يجوز إثباتها إلا الكتابة.
تنبيه
يجوز للأطراف الاتفاق على عدم تطبيق القواعد القانونية في الإثبات الواجبة
التطبيق.
ويرى البعض أنه
يمكن أن يتم الاتفاق على عدم تطبيق القواعد العامة في الإثبات ضمنيًا.
فمجرد الاتفاق على محكم من غير رجال القانون، يعني الاتفاق ضمنًا على
إعفاء المحكم من اتباع القواعد القانونية في الإثبات.
ملحوظة:
إذا قدم أحد الأطراف طلبًا لاتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات؛ فإن لهيئة
التحكيم السلطة التقديرية الكاملة في الاستجابة له، أو رفضه.
ولكن إذا قررت الهيئة رفض طلب اتخاذ إجراء معين في الإثبات فعليها أن تسبب
هذا الرفض، وإلا كان حكمها منتهكًا لحق الدفاع.
سلطة هيئة التحكيم بالنسبة للأمر بأدلة الإثبات هي نفس سلطة المحكمة.
فلهيئة التحكيم، ولو من تلقاء نفسها أن تسمع الشهود، أو تعاين
الأمكنة، أو تستعين بخبير، أو خبراء، أو توجه اليمين المتممة.
ولها بناء على طلب الخصم،
توجيه اليمين الحاسمة.
وللهيئة الأمر بإحضار الخصوم، وأن تقوم باستجوابهم، ولا تلتزم الهيئة
بتسبيب ما تأمر به من إجراءات الإثبات.
سلطة هيئة التحكيم في هذا الشأن هي سلطة تقديرية لها، ولا يعيب حكمها
عدم استعمالها هذه السلطة.
ليس للمحكم أن يأمر بتحقيق أية واقعة خارج الوقائع التي تمسك بها أحد الأطراف،
إذا أمرت الهيئة بإجراء من إجراءات الإثبات، ولم يستجب أحد الطرفين لما طلب منه؛
فإن الهيئة تفصل في الدعوى بالنظر إلى الأدلة المتاحة أمامها.
لهيئة التحكيم أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات متى يتبين لها
أن في الدعوى من الأدلة الآخرى، ما يكفي لتكوين اقتناعها، ولا تلتزم بتسبيب عدوله
عن الأمر.
سؤال مهم:
هل
يجوز لهيئة التحكيم الاستعانة بالقضاء فيما يخرج عن سلطتها؟
مع أن الهدف من
التحكيم هو إقصاء القضاء عن النزاع محل التحكيم كما سبق إيضاحه إلا أنه في الحقيقة
قد تضطر هيئة التحكيم إلى الإستعانة به فيما يخرج عن ولايتها، وسلطتها لذلك نجد أن
المادة 37 تحكيم تنص على أن:
"يختص رئيس
المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون بناء على طلب هيئة التحكيم بما
يأتي:
أ- الحكم على من
يتخلف من الشهود عن الحضور، أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في
المادتين 78، 80 من قانون الإثبات من قانونًا الإثبات في المواد المدنية،
والتجارية.
ب- الأمر بالإنابة
القضائية.
أجازت
المادة لهيئة التحكيم الاستعانة بالقضاء للآتي:
1- الحكم على من
يتخلف من الشهود عن الحضور، أو يتمنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في
المادة 78 من قانون الإثبات حيث تنص على "إذا كلف الشاهد الحضور تكليفًا
صحيحًا، ولم يحضر، حكمت المحكمة، أو القاضي المنتدب بغرامة مقدارها مائتان جنيه،
وثبت الحكم في المحضر، ولا يكون قابلًا للطعن، وفي أحوال الاستعجال الشديد يجوز أن
تصدر المحكمة، أو القاضي أمرًا بإحضار الشاهد، وفي غير الأحوال يؤمر بإعادة تكليف
الشاهد بالحضور إذا كان لذلك مقتضى، وتكون مصروفات ذلك التكليف إذا تخلف الشاهد
بالحضور إذا كان لذلك مقتضي، وتكون مصروفات ذلك التكليف إذا تخلف حكم عليه بضعف
الغرامة المذكورة، ويجوز للمحكمة، أو القاضي إصدار أمر بإحضاره.
2- الأمر بالإنابة
القضائية، وذلك في الأحوال التي يقتضي
فيها الأمر ذلك.
كما
ذهب القانون النموذجي للتحكيم التجاري إلى أبعد من ذلك، وهو ما نصت عليه (27)
تحكيم:
" في إجراءات
التحكيم يجوز لهيئة التحكيم، أو لأي من الطرفين بموافقة الهيئة طلب المساعدة من
محكمة مختصة في هذه الدولة للحصول على أدلة، ويجوز للمحكمة أن تنفذ الطلب في
حدودها سلطتها، ووفقًا لقواعدها الخاصة بالحصول على الأدلة".
إذا كان الأمر يقتضي القيام بإجراء من إجراءات الإثبات في الخارج؛
فليس لهيئة التحكيم إصدار الأمر بإنابة قضائية لمحكمة في الخارج للقيام بهذا الإجراء.
فإنها تطلب من المحكمة إصدار أمر
بإنابة المحكمة القضائية المختصة بالخارج للقيام بهذا الإجراء، ويكون ـ لما تقوم
به المحكمة الأجنبية في هذا الشأن ـ قوته في الإثبات أمام هيئة التحكيم.
سلطة هيئة التحكيم في تقدير الأدلة
يكون للمحكم نفس السلطة التي لقاضي المحكمة بالنسبة لتقدير الأدلة
المقدمة إليه.
ذلك على التفصيل الآتي:
1ـ بالنسبة لأدلة الإثبات القانوني كالإقرار أو الكتابة.
ليس من سلطة المحكم تقدير قوة
الدليل، إذ هذه حددها المشرع مقدمًا، وتنحصر سلطته في التأكد من توافر الدليل.
2ـ بالنسبة لأدلة الإثبات الآخرى.
للمحكم السلطان المطلق في
تقدير الدليل المقدم إليه،
فللمحكم سلطة تقدير قيمة الشهادة للأخذ بها من عدمه.
وله الأخذ بتقرير الخبير للأسباب الواردة به متى اطمأن إليه.
وله استنباط القرائن القضائية، التي يعتمد عليها في حكمه.
3ـ للمحكم في تقديره للأدلة أن يوازن بينها مفضلًا بعضها على بعض؛
فيأخذ بما اطمأن إليه، ويطرح ما عداه.
فللمحكم أن يطرح دليلًا لم يطمئن إليه، ولو كان هذا الدليل نتيجة إجراء
أمر به دون حاجة إلى إبداء سبب ذلك.
إجراءات أدلة الإثبات:
يجوز للأطراف الاتفاق على إجراءات إثبات مختلفة عن التي ينص عليها
القانون.
فيجوز للأطراف الاتفاق على إخضاعها لقانون، أو نظام قانوني معين.
ويجوز للأطراف الاتفاق على إضافة إجراءات أخرى غير التي ينص عليها
القانون الذي يحكم الإجراءات.
مثال:
* الاتفاق على تطبيق نظام الشهادات الكتابية بدلًا من الشفهية.
* تطبيق نظام توجيه الأسئلة المتبادلة من الطرفين إلى الشهود.
* الأخذ بنظام الكشف المتبادل للطرف عن مستنداته للطرف الآخر.
فإذا اتفق الأطراف على إجراءات إثبات معينة فعلى هيئة التحكيم احترامها،
أما في حالة عدم اتفاق الأطراف فعلى هيئة التحكيم أن تقرر إجراءات الإثبات التي
تراها مناسبة.
قاعدة مهمة:
سلطة هيئة التحكيم بالنسبة لإجراءات الإثبات ليس لها (سلطة الجبر)
فليس لهيئة التحكيم توقيع غرامة على من لم يحضر من الشهود، أو من
يمتنع منهم عن الإجابة على ما توجهه له من أسئلة.
بل عليها عندئذ أن تطلب من رئيس المحكمة الحكم على من يتخلف من الشهود
عن الحضور، أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في قانون الإثبات.
وقد تضمنت أغلب التشريعات العربية على مثل هذا النص.
وجوب قيام الهيئة بكامل أعضائها بإجراءات الإثبات.
الأصل أنه:
يجب على هيئة التحكيم أن تقوم بنفسها بإجراءات الإثبات؛ فليس لها أن تفوض
أحد أعضائها ما لم يخولها القانون الذي تطبقه بالنسبة للإجراءات، أو يخولها الأطراف
هذه السلطة.
فيمكن للأطراف الاتفاق في مشارطة التحكيم على تخويل هيئة التحكيم سلطة
تفويض أحدهم في القيام بأي إجراء من إجراءات الإثبات، كسماع الشهود، أو الانتقال
للمعاينة، أو استجواب الخصوم.
يجوز أن يتم هذا الاتفاق في محضر الجلسة، بموافقة جميع الأطراف أو وكلائهم
في الخصومة.
فإذا فوضت الهيئة أحد، أو بعض أعضائها القيام بإجراء من إجراءات الإثبات
دون موافقة طرفي الخصومة؛ فإن هذا الإجراء يكون باطلًا، ويؤدي إلى بطلان حكم
التحكيم.