الباب الثاني: اتفاق التحكيم
الدرس الخامس: آثار اتفاق التحكيم
المبحث الأول: آثار اتفاق التحكيم العامة
الأثر الإيجابي والسلبي لاتفاق التحكيم
يترتب على التحكيم أثران هامان أحدهما سلبي والآخر إيجابي:
الأثر السلبي:
يتمثل في سلب حق السلطة القضائية في نظر المنازعات التي اتفق أطرافها على فضها بطريق التحكيم، وهذا النزاع لا يعني أن المحاكم تفقد اختصاصها بالكامل، ولكنها تفقد فقط سلطتها المبتدئة بنظر النزاع.
عدم اختصاص قضاء الدولة
نصت المادة (1458) من قانون المرافعات الفرنسي المعدل سنة 1981م الواردة بشأن التحكيم الداخلي على أنه:
"عندما ترفع دعوى قضائية أمام إحدى محاكم الدولة تتعلق بنزاع مطروح أمام إحدى هيئات التحكيم بموجب اتفاق تحكيم وجب على هذه المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها، أما إذا كان النزاع لم يطرح بعد على هيئة التحكيم وجب أن تقضي المحكمة بعدم اختصاصها ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهر البطلان، ولا يجوز للمحكمة في أي من الحالتين أن تقضي بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها".
ويتضح من ذلك أن القانون الفرنسي يتبنى فكرة عدم اختصاص قضاء الدولة عند وجود اتفاق تحكيم يتعلق بالنزاع الذي قد يرفع أمام إحدى محاكم الدولة، وتقضي المحكمة بعدم الاختصاص سواء كان النزاع قد دخل في حوزه هيئة التحكيم، أو لم يدخل بعد ما دام أن الثابت وجود اتفاق تحكيم بشأن هذا النزاع.
الأثر الإيجابي:
وهو فض الخصومة بطريق التحكيم، والاعتداد بالحكم الصادر فيه، واعتباره كأنه صدر من المحكمة المختصة أصلًا بالنزاع.
فمنح هيئة خاصة مؤقتة الحق في نظر النزاع، والفصل فيه، وهي هيئة التحكيم، وهذا الأثر له قيوده؛ فهو أثر ناقص لا يمتد إلى مسائل لا يختص التحكيم بفصلها.
وتنص اتفاقية نيويورك لسنة 1958م المادة (2/3) بأنه:
"على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة، أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل، أو لا أثر له، أو غير قابل للتطبيق".
ويتضح من هذا النص أن اتفاقية نيويورك تعتبر قضاء الدولة غير مختص بنظر النزاع الذي يرد في شأنه اتاق تحكيم بين طرفيه.
وهو عين ما نصت به المادة (8) من القانون النموذجي بأنه:
"على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة إبرم بشأنها اتفاق تحكيم أن تحيل الطرفين إلى التحكيم إذا طلب منها ذلك أحد الطرفين في موعد أقصاه تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع ما لم يتضح لها أن الاتفاق باطل ولاغٍ ،أو عديم الأثر، أو لا يمكن تنفيذه".
أثر اتفاق التحكيم بشأن مسألة أولية:
المسائل الأولية هي مسائل مثل: الأهلية، والجنسية؛ فهي تتعلق بكيانات الأفراد، وهي من صميم ما يسمى بالنظام العام.
ولذلك؛ فإنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم في شأن نزاع عليها، أوعلى تعيينها.
فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفصل هيئة تحكيمية في نزاع معروض عليها في شأن متعلق بمسائل أولية تم التطرق إليه أمامها، بل يجب عليها أن تحيل أمرها إلى القضاء المختص.
فاتفاق التحكيم لا يتمتع بأي أثر إزاء تلك المسائل، وهذا من المتفق عليه قانونًا، وفقهًا، وأيضًا دوليًا.
أثر اتفاق التحكيم على حصانة الدولة القضائية:
الدولة تتمتع من ناحية بصفة السيادة، أي بمزايا السلطة العامة، وما يتبعها من حصانة قضائية، ومن ناحية أخرى تمارس الدولة أعمال التجارة الدولية، وهذا من شأنه أن يضيف على موقفها حالة من الغموض.
فيثور التساؤل حول قيمة توقيع الدولة على العقود التي تبرمها الهيئات العامة التابعة لها، والتي تتضمن شرط تحكيم؟
هل يعني اتجاه إرادتها إلى الارتباط بالعقد، وما تضمنه من شرط تحكيم، أم أن هذا التوقيع تم بمقتضى ما لها من سلطة وصاية، وبالتالي لا ينتج هذا التوقيع أي أثر قانوني تجاهها.
وهذا التفسير الأخير تبنته محكمة النقض الفرنسية في قضية هضبة الأهرام
للاطلاع على الحكم راجع الملحق ([1]).