المطلب الثالث: مراحل الكتابة

المطلب الثالث: مراحل الكتابة

في هذه المرحلة من عمر البحث تتجلى بصورة ظاهرة قدرة كل باحث على استخدام أدوات البحث المتوفرة لديه. ولذلك فإن مهارات الباحث وقدراته الشخصية تلعب دوراً أساسياً في هذه المرحلة.

وإذا كان التزام الباحث بقواعد كتابة البحث العلمي – كما بينّاها سلفاً – أمراً في غاية الأهمية باعتبارها أسساً ضابطة يؤدي الإخلال بها إلى الانتقاص من قيمة البحث العلمي؛ فإن سلوك الباحثين في مراحل كتابة البحث العلمي تختلف وتتباين، وذلك لارتباط هذه المرحلة بقدرات كل باحث، وطريقته في الكتابة.

يفرق الكتاب بين مرحلتين في الكتابة. مرحلة الكتابة المبدئية أو عمل المسودة الأولى. والمرحلة النهائية في الكتابة وهي المسودة الثانية. وهو تقسيم يأخذ بالأمر الغالب. إلا أن هذا لا يمنع أن بعض الباحثين يكتب مرة واحدة لا سيما الباحث المحترف الذي تدرب على البحث وتعود عليه([1]).

وسوف نلقي الضوء على مرحلتي الكتابة كما يلي:

الفرع الأول: المسودة الأولى

تفيد المسودة الأولى في الكتابة الباحثين الجدد. وهي مرحلة في بدايتها ليست باليسيرة. فكل أمر جديد يشق على النفس في أوله. ويجب على الباحث ان يتغلب على هذه الصعوبة سريعاً حتى يستطيع أن يبدأ في الكتابة.

وفي الحقيقة أن البعض أرجع هذه الصعوبات ترد إلى اعتبارات نفسية، فالباحث في بداية بحثه وأثناء التجميع تنتابه الهواجس حول قدرته على كتابة البحث والانتهاء منه. وهي هواجس مشروعة وطبيعية، ويجب أن تحفز الباحث لكي ينتج بحثاً جيداً. وهي كذلك إذا لم تزد عن الحد المعقول.

ويجب أن يتغلب الباحث على صعوبة البداية بسرعة، وليعلم انه كلما توغل في الكتابة، كلما ازداد إتقانه لها. ولذلك يوصي دائماً بان يعيد الباحث قراءة الأجزاء الأولى من بحثه بعد إتمامه، فقد يرى تغيير بعض منه.

 وتثير مرحلة كتابة المسودة الأولى عدة تساؤلات منها.

أولاً: من أين يبدأ الباحث الكتابة؟

الأصل أن يبدأ الباحث كتابة بحثه وفقاً للخطة التي انتهى إليها بعد مراجعتها وفقاً للمعلومات والبيانات المتاحة أمامه. فيبدأ بكتابة بحثه وفقاً لترتيب موضوعات الخطة. ولا شك أن ذلك يؤدي إلى حسن تتابع أفكار البحث وتماسكها.

على أن هذا لا يمنع ان يبدأ الباحث الكتابة بغير هذا الترتيب إن شق عليه إتباعه. وفي هذه الحالة فإن الباحث عندما يبدأ الكتابة يأخذ أجزاء كاملة حتى تتكامل أفكارها وتتتابع بصورة سهلة.

ثانياً: كيف يستخدم الباحث المعلومات والبيانات المتوافرة لديه في الكتابة؟

تمثل المعلومات والبيانات المتوفرة لدى الباحث المواد الخام التي يستخدمها الباحث في كتابة بحثه. ولذلك يتوقف جودة البحث على إجادة الباحث لتصنيع هذه المعلومات والبيانات المتوفرة لديه.

وعلى ذلك فإن على الباحث أن يصنع من هذه المعلومات والبيانات عجينة يشكلها وفقاً للقواعد والأسس العلمية السليمة – والتي سبق وأوضحناها – عبر صفحات هذا البحث.

 وعلى هذا فإن الباحث أمام هذه المعلومات والبيانات يكون أمام خيارين:

الأول: وهو الأصل ويعني ضرورة أن يحيط الباحث بهذه المادة، ويفهمها ثم بعد ذلك يكتب البحث بأسلوبه هو، مستعرضاً آراء الآخرين سواء أكانوا من معاصريه ام من الذين سبقوه.

الثاني: أن يقتبس هذه المعلومات والبيانات للاستشهاد بها، وذلك يكون في حالات محددة.

والإقتباس أنواع:

النوع الأول: اقتباس مباشر: ويعني النقل الحرفي لبعض العبارات من مصدر معين سواء مؤلفاً عاماً أم بحثاً خاصاً. ويخضع هذا النوع من الاقتباس لقواعد صارمة إذ يجب على الباحث ألا يكثر منه، كما يجب عليه أن يشير إلى المرجع الأصلي الذي أخذ منه.

النوع الثاني: اقتباس غير مباشر: وهو نقل غير حرفي؛ وفيه يلجأ الباحث إلى تلخيص الفكرة وإبرازها بأسلوبه الخاص. وفي هذه الصورة يجب أن يحافظ الباحث على جوهر الفكرة، ويسرد أدلتها، ولا يعمد إلى تشويهها.

النوع الثالث: الاقتباس بتصرف: وفي هذه الحالة، فإن النقل لا يكون متتابعاً، فقد يريد الباحث إسقاط جزء من الكلام المنقول. وفي هذه الحالة عليه أن يضع مكان الجزء المنقول مجموعة من النقاط كما يلي (….) إشارة إلى إسقاط جزء من الكلام المنقول. وفي هذه الحالة عند الإشارة في الهامش يجب أن يشير إلى أن النقل قد تم (بتصرف)؛ أي بتصرف الباحث.

والاقتباس بنوعيه سواء أكان مباشراً أم غير مباشر، فإنه يجب أن يتوافر فيه مجموعة من الشروط كما يلي:-

  • أن يكون الاقتباس من المصدر الأصلي. وذلك قد يؤدي إلى صحة الاقتباس وسلامته. فالاقتباس من الاقتباس لا يجوز، ويؤدي إلى عواقب وخيمة إذا ما اتضح عدم دقة الاقتباس الأول.
  • يجب أن يشير الباحث إلى المصدر الذي أخذ منه بكل دقة تيسر على كل من يريد أن يطّلع عليه. وأن يضع الكلام المنقول بين قوسين لكي يعلم القارئ حدود الاقتباس.
  • يجب أن تكون الاقتباسات محدودة، ويكون إطارها الطبيعي الاستشهاد بمنطوق الرأي عند صاحبه، إذا اقتضت الظروف ذلك، وكان ذلك أدعى لبيان الرأي. وفي هذه الحالة يؤدي الاقتباس وظيفة لا غنى عنها في البحث.
  • أن يتم نقل الكلام من المصدر بحالته وبأخطائه مع الإشارة إلى أن الخطأ وارد في الأصل.
  • إذا كان الاقتباس بلغة أجنبية غير لغة الباحث، فيجب أن يكون الاقتباس في حالة الضرورة، وأن تذكر الترجمة في المتن، والأصل في الهامش.

وعلى الباحث أن يعاود قراءة ما كتبه في وقت لاحق ويفصل بين كونه كاتباً للبحث وقارئاً له. حتى يستطيع أن يتبين أخطاءه والمشاكل التي تلحق بالأسلوب، فإذا ما أتم هذه القراءة، وتبين مواضع النقص فيها، دلف إلى المرحلة الثانية في الكتابة وهي مرحلة المسودة النهائية([2]).

 

الفرع الثاني: المسودة النهائية للبحث

بعد الفراغ من مراجعة المسودة الأولى في الكتابة، يجد الباحث نفسه أمام صورة شبة مكتملة لبحثه، وعليه بعد ذلك أن يضبط هذه المسودة، وفقاً للأسس العلمية، توطئة لإخراجه نهائياً إلى حيز الوجود.

وهذه المرحلة في كتابة البحث لا تقل أهمية عن سابقتها. إذ فيها يهتم الباحث بالشكل التنظيمي للصفحة والإطار الشكلي لعرض أفكاره، وذلك وفقاً لمجموعة من الضوابط، وذلك كما يلي:

  • ضبط علامات الترقيم واستخدامها في موضعها الطبيعي.
  • استخدام الفقرات. فيجب تقسيم الكلام إلى فقرات، حتى يسهل قراءته. وتمثل الفقرة فكرة علمية متكاملة. وأن يترك بين كل فقرة وأخرى مساحة، تميز كل واحدة عن الأخرى.
  • المحافظة على توازن أقسام البحث، وأجزائه فذلك أمر مهم.
  • البعد عن تكرار المعاني.
  • التأكد من ضبط الهوامش واختبارها حتى يأتي البحث موثقاً وأميناً في استخدام أفكار الآخرين أو في استشهاده بالأحكام القضائية أو بالنصوص الوثائقية.
  • استخدام المصطلحات المعروفة في نطاق العلم الذي يبحث فيه.
  • المطابقة بين الكتابة النهائية للبحث وخطة البحث وأهدافه ومناهجه. ومراجعة كل الفروض التي سبق للباحث فرضها.
  • كتابة المقدمة والخاتمة.

فإذا ما انتهى الباحث من كل ذلك، دفع ببحثه إلى المطبعة لكي تتعامل معه آلات الطباعة، ليخرج إلى الناس كي ينشر علماً، ويشع نوراً.

[1]) د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 240.

[2]) د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق: ص 246.

 قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.

 وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:

 تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.

 ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:

 تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.

 وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.

 وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:

المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.

المبحث الثاني: تجميع المعلومات.

وذلك على الوجه التالي:

سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.

وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.

وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).

ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.

وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:

[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.

قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.