منهجية البحث العلمي

منهجية البحث العلمي

المادة العلمية

 العلم وليد البحث، وحركة العلم مستمرة نحو الاقتراب من الحقيقة، والعلم وإن لم يكن له تعريف جامع، إلا أنه يعتبر مجموعة مترابطة من تصورات وآراء وأفكار، نتجت وتنتج عن الملاحظة والتجربة.

والبحث تنقيب مستمر عن المعرفة بطريقة علمية، وهو دعامة من أهم دعامات العلم. فالعلم والدراسة هما الركن الأول من أركان بناء الحضارة العلمية، والبحث هو ركنها الثاني، وذلك بما يشتمل عليه معنى البحث من العرض والتحليل والنقد، والأصالة والجودة. فالبحث هو شعار الحياة البانية، المتجددة، التي تصنع الحضارة والرفاهية الإنسانية.

وفي الماضي البعيد، لم يكن للبحث دوراً مؤثراً في الحياة، ولكن مع نهاية القرن التاسع عشر، وبازدياد أعداد البشر، وتكوّن الصناعات الكبيرة، والرغبة الملحة لزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، أصبح للبحث تأثير بالغ في مواجهة المشاكل وحلها، لتحقيق النجاح في مجالات الحياة المختلفة، وإسعاد البشر.

وقد أولت الدول المتقدمة رعاية فائقة للبحث العلمي، باعتباره الركيزة الأساسية للتقدم، وأجزلت العطاء في سبيل تطويره، ولذلك اتسعت الدراسة كثيراً في مراحل الدراسات العليا، وأصبحت طرق البحث مواداً تــُدرس دائماً في المعاهد والجامعات، باعتبارها أساس تكوين الباحث، وإعداده الإعداد السليم.

ولكل بحث الطرق الفنية الخاصة به، التي يستخدمها الباحث للوصول إلى نتائج، وعلى الباحث أن يعرفها جيداً. ورغم ذلك، فليس من المتوقع من طالب المنحة أو الدراسات العليا، أن يأتي للدراسة. وهو مُلم بأسس البحث العلمي وطريقة كتابته، ولكنه إذا ما تعلم هذه الأسس، فإنه سيشعر بسعادة بالغة، وبمدى ما وفر من وقت وجهد، عندما يكتب رسالته العلمية.

ولذلك، فلقد أعد هذا الكتاب، ليغطي القواعد العامة، الخاصة بأسس البحث العلمي وطريقة كتابته، وطرق النشر والنقد العلمي، والأسلوب السليم لجمع البيانات وكتابة المراجع، وترتيب البيانات وتقديمها، وكيفية الطباعة، وذلك حتى يتمكن الباحث من تشكيل وصياغة ما حصل عليه من معلومات ونتائج، وعرض أفكاره، وكتابتها باسلوب علمي سليم سلس فيما يسمى بفن كتابة البحث، لُيبدع بقدر ما يستطيع في مختلف مجالات المعرفة.

ومن هُنا فإن منهجية البحث تعتبر العلم والفن الأهم والرئيس لمن يعمل في مجال إنتاج المعرفة. وكذلك أيضاً رجال القانون سواء الباحث أم القاضي أم المحامي يحتاج إلى آليات البحث العلمي في عمله سواء في تأليف الأبحاث أم إصدار الأحكام أم في فهم وقائع الدعاوى والتعامل معها. ومن هنا تأتي أهمية دراسة أصول ومناهج البحث العلمي لهما أيضاً.

 حيث أن هناك عدة اتجاهات في منهجية البحث، تختلف في الجزئيات الشكلية، لكنها تتفق جميعها، في إرشاد الباحث، والأخذ بيده نحو بحث علمي يسعى إلى التكامل والكمال.

وسوف تكون دراستنا مقسمة إلى سبعة فصول كما يلي:

الفصل الأول: ماهية البحث العلمي ومناهجه.

الفصل الثاني: الأطر الحاكمة للبحث العلمي.

الفصـــل الثالث: أهمية المراجع والمصادر في البحث العلمي.

الفصل الرابع: أدوات البحث العلمي.

الفصل الخامس: كتابة البحث العلمي وإخراجه.

الفصل السادس: كتابة البحث العلمي القانوني.

 الأهداف الدراسية:

  • التعرف على ماهية مناهج البحث وعلومها وأنواعها
  • بين المنهجية والمنهج
  • ثلاثية البحث والباحث والإشراف العلمي
  • التعرف على خطوات كتابة البحث العلمي
  • ما هي أهمية المصادر والمراجع في البحث العلمي
  • التعرف على وظيفية الهامش في البحث العلمي
  • موضوعات لغوية رئيسة في البحث العلمي
  • التعرف على هيئة الرسالة وشكلها
  • ما هي القاعدة القانونية وسماتها وطبيعتها وعلاقتها بالقواعد الأخرى
  • كيفية كتابة البحث القانوني
  • عناصر البحث القانوني

 قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.

 وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:

 تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.

 ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:

 تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.

 وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.

 وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:

المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.

المبحث الثاني: تجميع المعلومات.

وذلك على الوجه التالي:

سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.

وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.

وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).

ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.

وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:

[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.

قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.