المبحث السابع: بين المنهجية والمنهج

المبحث السابع: بين المنهجية والمنهج

المطلب الأول: تعريف المنهجية

 المنهجية مصطلح محدث راجٍ في الدراسات العليا خاصة بمعنى العلم الذي يبين كيف يجب أن يقوم الباحث ببحثه، أو هي الطريقة التي يجب أن يملكها الباحث منذ عزمه على البحث وتحديد موضوع بحثه حتى الانتهاء منه، أو لِنقل هي مجموعة الإرشادات والوسائل والتقنيات التي تساعده في بحثه.

 والغرض من المنهجية تعليم طالب البحث العلمي والعمل على تنمية الروح العلمية فيه، وتسهيل مهمته في البحث، وتجنيبه ضياع جهده في البحث هباءً دون الوصول إلى الغاية المرجوة من بحثه وموضوعها معايير البحث والباحث، واختيار الأستاذ المشرف، والتقميش(24)، وكيفية كتابة البحث، وكتابة الهوامش، ووضع الفهارس… إلخ.

الفرع الأول: تعريف المنهج

 جاء في لسان العرب: طريق نهج: بين واضح… ومنهج الطريق أي وضحه، والمنهاج كالمنهج، وفي القران الكريم: لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجاً (25).

 والمنهاج: الطريق الواضح، والنهج: الطريق المستقيم، ونميل إلى التمييز بين المنهج ” و” المنهجية استناداً إلى الاعتبارات التالية:

  • إن المناهج وصف لأعمال العلماء المتقدمين وطرائق بحوثهم وأساليبهم ومصطلحاتهم، فالعلوم والبحث العلمي سابقة للمناهج، أما المنهجية فمجموعه معايير وتقنيات ووسائل يجب اتباعها قبل البحث وفى اثنائه.
  • إن المنهجية، كالمنهج، وصفية لأنها تُبين كيف يقوم الباحثون بأبحاثهم لكنها تختلف عنه في أنها معيارية في الوقت نفسه، لأنها تقدم للباحث مجموعة الوسائل والتقنيات الواجب اتباعها قبل البحث وفي أثنائه.
  • إن مناهج الدراسة تختلف من علم إلى آخر، فللأدب مناهجه، وكذلك للغة، وللتاريخ، والبيولوجيا، والرياضيات… أما المنهجية فواحدة عموما.
  • إن المناهج تُطرح عادةً للنقد والتقويم، فيفضل ما لها وما عليها، وأيها الأولى بالاتباع، وما المنهج المناسب لهذا النوع من الدراسات… أما المنهجية، فمعايير وتقنيات يجب التزامها لتوفير الجهد، وعدم إضاعة الوقت، وتسديد الخطى على الطريق العلمي الصحيح.
  • إن المناهج مرتبطة بالمنطق وطرق الاستدلال والاستنتاج، ولذلك فهي تتطور وتعدل من حين إلى آخر، أما المنهجية فأضحت، عموماً، جملة قواعد ثابتة.

[1]) التقميش: مصدر قمش، في الفلسفة أو العلم أو غيرهما: هو جمع المواد أو المعلومات من هنا ومن هناك، المعجم الرائد.

سورة المائدة: الآية رقم 48. [2]

 قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.

 وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:

 تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.

 ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:

 تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.

 وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.

 وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:

المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.

المبحث الثاني: تجميع المعلومات.

وذلك على الوجه التالي:

سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.

وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.

وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).

ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.

وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:

[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.

قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.