منازعات الملكية الفكرية
تمهيد
لاشك أن منازعات الملكية الفكرية شغلت حيزا كبيراً في ساحات القضاء ومراكز التحكيم التجاري الإقليمية و الدولية، ولاسيما أن جرائم الاعتداء علي حقوق الملكية الفكرية في إزدياد مستمر بسبب التطور الذي طرأ علي المجتمعات في شتى المجالات وبخاصة قطاع التكنولوجيا بعد اجتياح الثورة المعلوماتية لكل دول العالم، وأن حقوق الملكية الفكرية ارتبطت بإقتصاد الدول وإستثماراتها أقليمياً ودولياً.
ومما لا شك فيه أن مشكلة حقوق الملكية الفكرية مرتبطة بالمستوى الحضاري للمجتمع، والمرحلة الحضارية التي يجتازها هذا المجتمع، فالملكية الفكرية تصل لدرجة القداسة في المجتمعات المتحضرة، ومستباحة إلى حد الهوان في المجتمعات المتخلفة. وشغلت هذه الحقوق ومنازعاتها الفقهاء والمشرعين في العالم من أجل الوصول لنضوج المجتمع ثقافياً للحفاظ عليها واحترامها حتى يكون لدينا مجتمعات متحضرة، وقد أسست في السنوات الأخيرة جمعيات أهلية ومنظمات أو هيئات عربية ودولية مثل الجمعية المصرية لقانون الانترنت واتحاد الانترنت العرب، من أجل الحفاظ علي الملكية الفكرية.
ونجد أن معظم جرائم الإعتداء على حقوق الملكية الفكرية يكون سببها أخلاقياً وليس قانونياً. وهذا ما يجعل الأفراد والشركات تسطو على أعمال بعضهم البعض، كما أن الشق الثاني للأزمة الأخلاقية أن أغلب الحالات تكون إدعاءات بغرض الشوشرة ونشر الإشاعات المغرضة دون وجه حق وفي أحياناً كثيرة تكون تصفية حسابات.
إن كل ذلك دفع دول العالم الفقيرة منها والغنية لأن تعمل جدياً علي تعزيز قدرتها لمكافحة جرائم الملكية الفكرية، من خلال إصلاح الأطر التشريعية والتنظيمية والمؤسسية والمجتمعية وتعزيز التعاون الدولي من أجل زيادة الوعى في مختلف شرائح المجتمع، مما يسهم في بناء الاستراتيجيات المناسبة لمنع ومحاربة تلك الجرائم التي تهدد كيان المجتمعات، ولا شك أن هذه الجرائم تظهر بقوة في الدول التي يضعف بها نظام الملكية الفكرية، فنلاحظ في تلك الدول ارتفاع عمليات التقليد والتعدي على حقوق الملكية الفكرية وإنتشار هذه الجرائم بأنواعها المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض في الإستثمار في زمن أصبح فيه الاقتصاد مرتبطاً بكل مراحل العولمة، ويتضح لنا جالياً في هذا الإطار أن جرائم الملكية الفكرية تعتبر من الجرائم الاقتصادية الحديثة، خاصة بعد أن أصبحت حقوق الملكية الفكرية مصدراً مهماً للثروة وبخاصة في الدول المتقدمة التي تشهد إقتصادياتها تحولات كبيرة ظهرت جلياً اعتباراً من الربع الأخير من القرن العشرين، حيث تحولت من اقتصاديات تعتمد على الصناعات التقليدية إلى اقتصاديات تعتمد على المعرفة.