المطلب الثاني: وظيفة الهامش في البحث العلمي
الفرع الأول: تعريف الهامش
لم يكن أسلافنا يعرفون نظام الهامش، لكن كانوا يعرفون نظام الحواشي، إذ كان يوجد بياض أو فراغ على جوانب الصفحة، يمكن من كتابة بعض التعليقات، ولم يكن يكتبها المؤلفون أنفسهم، إنما يكتبها بعض العلماء، الذين يقرؤون الكتاب، وكثيراً ما نراهم يذكرون قبلها كلمة تدل عليها مثل (هاهنا لطيفة) أو (فائدة) أو (تنبيه)، كما نجد بعض الشروحات للنص الرئيسي، فتصبح هذه الشروحات مرجعاً إضافياً للكتاب الأصل، وكثيراً ما نجد كتب تفسير القران الكريم، تستخدم الحواشي الموجودة حول الآيات، والغالب أن تكون مساحة الحواشي أكبر من مساحة الآيات القرآنية.
فالهامش هو الجزء الذي يترك في أسفل الصفحة وعادة ما يفصل بينه وبين المتن خط أفقي يمتد إلى ثلث الصفحة تقريباَ.
الفرع الثاني: وظيفة الهامش
ساعدت المطبعة المؤلفين على استخدام الهوامش والحواشي جميعاً، أما الهوامش فلا تزال يراد بها التعليق وبسط فكرة في المتن، وقد يذكر معها اسم مصدر أو أكثر وقد ينقل من مصدر اقتباس طويل، وبعض المؤلفين يعمدون كثيراً إلى صنع هذه الهوامش، وكأنهم يرون أنهم إن ذكروها في المتن أحدثت فيه خلخلة، وخاصة حين نتحدث عن بعض الأشخاص أو عن بعض الموضوعات التي عرض لها المؤلف في بحثه او الإشارة إلى مصادر أخرى غنية بالمعلومات ينصح القارئ بالرجوع إليها، ولعل هذا ما يجعلنا ننبه إلى الحذر في استخدامها، فينبغي ألا يعمد إليها الباحث دائماً، إنما يعمد إليها عند الضرورة الصحيحة، وحين لا يستطيع أن يُدخل ما تحتويه في سياق كلامه، وعلى كل حال ينبغي ألا تأخذ صورة معلومات أساسية تضاف من حين إلى حين، وكأن الباحث فاته أن يسوقها في ثنايا كلامه، إن الغرض منها إنما هو التوضيح لا إضافة معلومات جديدة فاتت الباحث ويريد أن يسجلها، أو كأنما عزّ عليه، أو صعب أن يدمجها في متن الكلام، ومعنى ذلك أن تكون ذات صلة وثيقة بأفكار المتن، وإلا بدت كأنها استطرادات لا يحتاجها البحث، وبدلاً من أن تؤكده تضعفه وتخلخله خلخلة شديدة.
ومن الحقائق التي ينبغي للباحث إدراكها أنه من الأفضل الاقتصاد قدر الإمكان من الهوامش لأي غرض حتى يضمن متابعة القارئ، فلا يقطع عليه تسلسل المعاني والأفكار، ويمكن تحقيق هذا بطريقة من الطرائق الأتية:
- الإشارة في سطر واحد إلى عدة اقتباسات من مصدر لمؤلف واحد، وذلك بأن يوضع الرقم في نهاية الإقتباس الأخير، ثم يشار إلى الصفحات التي جرى الاقتباس منها على الترتيب.
- بدلاً من وضع أرقام متعددة على الصفحة عند نسبة بعض الآراء، او ذكر الأسماء ثم الإشارة إلى مصادرها بالهامش، يوضع رقم واحد بعد الاسم الأخير، ثم تدوين في الهامش منسوبة إلى مصادرها بالترتيب.
- بالنسبة للجداول، والبيانات، والقوائم، والصور، والخرائط، مما ليست له أهمية مباشرة، فالأحسن تدوينها في ملحق خاص في نهاية البحث، ويشار إلى مكانها بالهامش (89)، فالغاية من الهامش تجريد المتن من تلك الاستطرادات التي لا تعد جزءاً رئيسًا من البحث، ولكنها في الوقت ذاته ضرورية لإعطاء القارئ، أو الطالب صورة كاملة لجميع جوانب البحث(90).
لقد أصبحت الهوامش جزءاً لا يتجزأ من البحوث والدراسات الحديثة، وتعبر عن مدى مصداقية الباحث وأمانته العلمية، وهذه الهوامش يراد بها بيان المصادر التي استخدمها الباحث في بحثه وكأنها مستنداته في الدراسة، فهو يقدمها للقارئ، وكأنما يقدم أدلته وبراهينه على ما يسوق من أفكار، واضعاً تحت بصره جميع مصادره، ليراجعه فيها إن شاء، وليبين له كيف كون بحثه، وكأنما يريد أن يشركه معه في الدراسة، إذ يعرض عليه كل ما قرأه وكل ما اتخذه دليلاً أو حجة على كلامه، وكل ما استمد منه أفكاره وآراءه، وعادة حين يذكر المصدر يذكر صفحته بكل دقة، إلا أن هناك بعض الباحثين الناشئين، يقعون في مشكلة منهجية خطيرة، وهي أن يجد في بحث سبق له إشارة إلى مصدر، فيأخذ هذا المصدر عنه، ورقم صفحته من غير اطلاع عليه أو مراجعة له، وقد يكون الباحث السابق أخطأ في ذكر المصدر من غير قصد، أو أخطأ في ذكر الصفحة ورقمها، أو قد يكون حدث في أثناء الطبع تحريف في الرقم، فينقله بتحريفه أو بخطئه(91)، واحياناً يحدث هذا الخطأ الفادح في نقل بعض الآيات القرآنية التي أصابها شيء من التصحيف، ولم تصحح، وفي حال كهذه نكون أمام مشكلة خطيرة في البحث العلمي، ومدى صدق وأمانة صاحبه.
وبعض الباحثين المبتدئين يستكثرون من الهوامش، ولذلك ضرران واضحان:
أولهما: إن ذلك يعني أن الباحث يحاول أن يدل على سعة اطلاعه، فهو يحشد عشرات المصادر، وكثيراً ما يؤدي به ذلك إلى أن يجمع فيها بين الغث والسمين، فتختلط المصادر، ولا تُعرف أيها أهم للبحث وأيها لا يتصل به، وأما الضرر الثاني فإنه لا يستطيع أن يتبين هو نفسه المصدر الأساسي من المصدر غير الأساسي، وهذا يجر الباحث الناشئ إلى أوخم العواقب(92).
وليس الغرض من البحوث دائماً أن يدلل الباحث على كثرة ما قرأ من المصادر المتصلة مباشرة بالبحث وغير المتصلة، وإنما الغرض أن يستنبط من مجموع ما قرأ من قضايا أو أفكاراً جديدة، وحبذا لو اتسع به ذلك فاستنبط نظرية لم يُسبق إليها، وذلك هو الغرض الحقيقي من البحث(93).
إنه لا بد للباحث حقاً من المصادر ومن الإتساع في القراءة، لكن لا ليستكثر من الهوامش، وإنما لينتقي منها مادة بحثه، ويشير إليها حين تكون الإشارة ضرورية للبرهنة على ما يقول، ودائما ما يقوله ينبغي أن يكون نتيجة إحاطة بالمصادر واستقصاءاً شديداً، وأهم من ذلك أن يكون نتيجة تمثيل لها.
الفرع الثالث: كتابة الهامش
تكتب الهوامش عادة في ذيل الصفحة، ومنهم من يجعلها في نهاية الفصل، او في نهاية البحث، وفي حال إثباتها في ذيل الصفحة، يجب الفصل بينها وبين المتن بخط طويل بحدود ثلث الصفحة بامتداد خط أفقي، وتكتب بحرف صغير، ويمكننا كتابة المصادر والمراجع في الحواشي، ولكتابة الهوامش ثلاث طرق يستطيع الباحث اختيار ما يناسبه، ويسير عليه في بحثه من أوله إلى آخره. وهذه الطرق الثلاث هي:
- تدون الهوامش بأسفل الصفحة: ويكون هذا بطريقة من الطرائق الثلاث
أ – وضع أرقام مستقلة لكل صفحة على حدة: وتبدأ من رقم مدوناً في أعلى نهاية النص، أو الفكرة يقابله الرقم المماثل بالهامش، وتوضع في أسفل كل صفحة هوامشها، وكل صفحة مستقله بأرقامها، ومراجعها، وكل ما يتصل بها.
ب- إعطاء رقم متسلسل متصل لكل فصل على حدة: ويبدأ من رقم ويستمر إلى نهاية الفصل، مع السير على نفس الطريقة في اختصاص كل صفحة بهو امشها وتعليقاتها.
ج – إعطاء رقم متسلسل متصل للرسالة كلها: مبدوء برقم ويستمر إلى آخر الرسالة، ويدون في أسفل كل صفحة هوامشها.
- التهميش في نهاية كل فصل:
إعطاء رقم متسلسل لكل فصل على حدة، مبدوء برقم ويستمر حتى نهاية الفصل، ونجمع كل الهوامش والتعليقات لتدوينها في نهاية الفصل، ويفضل استخدام هذه الطريقة في كتابة الأبحاث المخصصة للمجلات الدورية.
- جمع الهوامش كلها في نهاية الرسالة:
و إعطاؤها رقما متسلسلاً من بداية الموضوع حتى نهايته.
ولكل طريقة حسناتها وعيوبها، فللباحث حرية اختيار إحداها، وهناك طريقة أخرى للإشارة إلى التعليقات غير الإشارة الرقم، وذلك بوضع علامة مثل:* وتكون فوق عنوان رئيسي في البحث، ويمكن أن تكون علامتان أو أكتر بحسب الحاجة، وتثبت في الهامش أيضا.
الفرع الرابع: التوثيق بالأرقام فقط
تعتمد هذه الطريقة في توثق المصادر والمراجع على الأرقام الموضوعة بين قوسين، وضمن المتن فقط، بحيث يكون الرقم الأول دالاً على المصدر الموجود في قائمة المصادر في نهاية البحث، أما الرقم الثاني فإنه يشير إلى رقم الصفحة التي تم الاقتباس منها من نفس المصدر المشار إليه بالرقم الأول، وتستخدم هذه الطريقة في الأبحاث العلمية، ومثاله(5،128) وأحياناً يشار سنة المصدر، مثلاً (281،5، 1990):128 تعني رقم المصدر أو المرجع الوارد في فهرس المصادر والمراجع في نهاية البحث، و5 تعني رقم الصفحة من المرجع المذكور، و1990 تعني تاريخ طباعة المرجع(94).
من خلال هذه الفصول في دراستنا هذه، حاولنا استخدام جميع أشكال توثيق المصادر والمراجع، كتطبيق عملي يرجع إليه الباحث ليختار ما يراه مناسباً لبحثه.
[1]) د. عبد الوهاب إبراهيم ابو سلمان: مرجع سابق: ص، 118.
[2]) د. عبود عبدالله العسكري: مرجع سابق: ص، 66.
[3]) د. شوقي ضيف: مرجع سابق: ص، 226- 227.
[4]) د. شوقي ضيف: مرجع سابق: ص 227.
[5]) د. شوقي ضيف: مرجع سابق: 227.
[6]) د. عبد الوهاب إبراهيم ابو سلمان: مرجع سابق: ص، 119- 120.
قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.
وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:
تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.
ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:
تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.
وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.
وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.
المبحث الثاني: تجميع المعلومات.
وذلك على الوجه التالي:
سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.
وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.
وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).
ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.
وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:
[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.
قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.