المبحث الثالث: ما المنهج

المبحث الثالث: ما المنهج

كلمة المنهج تعني لغة الطريق. وترجع في أصلها اللغوي إلى الفعل (نَهَجَ) ومنه النهج، والمنهج، والمنهاج، أي الطريق الواضح، ونهج الطريق أي أبانه وأوضحه أيضاً سلكه، وبابها قطع ([1]).

وفي الاصطلاح يعرف المنهج من ناحية الموضوع بأنه الطريق الذي يؤدي إلى الكشف عن حقيقة معينة. ويكون ذلك عن طريق مجموعة من القواعد والوسائل التي يتبعها الباحث للوصول إلى هذه الحقيقة. ومن الناحية الشكلية. فإن المنهج هو الإطار الذي توضع فيه البيانات والمعلومات والتي يتم تنظيمها والتعامل معها وفقاً لقواعد وإجراءات معينة ([2]).

ويقدم المعجم الفلسفي تعريفاً للمنهج بأنه: وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة (15)، ويُعرف بتل المنهج بصفة عامة على ” أنه الترتيب الصائب للعمليات العقلية التي نقوم بها بصدد الكشف عن الحقيقة والبرهنة عليها(16).

أما المنهج العلمي Scientific Method فيمكن تعريفه بأنه: تحليل منسق وتنظيم للمبادئ والعمليات العقلية والتجريبية التي توجه بالضرورة البحث العلمي، أو ما تؤلفه بنية العلوم الخاصة “، والمنهج العلمي بهذا المعنى يستخدم أداة منهجية غاية في الأهمية وهي التحليل، لمجموعة المبادئ والأسس التي ينطلق منها أي بحث علمي، على أن يتسم هذا التحليل بصفات منطقية مثل الاتساق والضرورة، والتحليل لا يتوقف عند الإلمام بهذه المبادئ ولكنه يبحث من بينها عن الأكثر بساطة وضرورة ويحذف المتكرر أو المشتق من غيره من المبادئ، كما يمتد التحليل إلى مجموعة العمليات العقلية والتجريبية، فنحن نجري مجموعة من عمليات الاستنباط والاستدلال المنطقي والرياضي على ما توفر لدينا من معطيات، ونعود في إجراء تلك إلى مجموعة من قواعد الاشتقاق ذات الطابع المنطقي الرياضي، ونحتكم بالإضافة إلى ذلك إلى التجريب عند الحكم على مجموعة من النتائج المشتقة بالصدق أو الكذب بصدى مطابقتها للواقع. والمنهج العلمي يمكن أن يأخذ طابع العمومية عندما يشير إلى مجموعة من القواعد العامة التي تعمل طبقاً لها كل العلوم، ويمكن أن توجد مناهج نوعية تتعدد باختلاف العلوم والبناء المنطقي لكل علم(17)، وفي كل الحالات فإننا نهدف إلى تحصيل المعرفة العلمية وهي رصيد العلم الحقيقي.

ويشير استخدام المنهج العلمي – بصفة عامة – إلى عمليتين رئيستين، هما الاستقراء، والاستنباط، أو التحليل والتركيب، حيث يمكن النظر إلى الاستقراء على أنه تحليل يفتقد من المشخص إلى المجرد، من الظواهر إلى القانون العام، ومن الحالات التطبيقية لمبدأ إلى المبدأ ذاته، كما ينظر إلى الاستنباط على أنه انتقال من البسيط إلى المركب، من المبدأ إلى تطبيقات المبدأ، من الضروري إلى العّرضِي، من القانون العام إلى الحالات الفردية التي تندرج تحته، نمثل بصفة مؤقتة لاستخدام المنهج الاستقرائي بالعلوم التجريبية، ونمثل لاستخدام المنهج الاستنباطي بالرياضيات التي تبدأ طبقاً لفكرة التركيب — بأفكار أساسية قليلة وبديهيات، ثم تشيد بالتدريج علماً اكثر تركيباً دون استعانة بملاحظة أو تجربة، كما يمكن القول بأن النسق الاستنباطي يتلاءم والكتب المدرسية، بينما المعمل هو المكان الطبيعي للعمليات الاستقرائية (18)، وغني عن البيان أن العلوم الطبيعية لا تعرف هذا الفصل بين ما هو استقرائي واستنباطي، وإنما أوردناه على سبيل الشرح والتفسير، والأحرى أن العلوم الطبيعية، بل وأغلب العلوم، تستخدم المنهج العلمي بشقيه الاستنباطي والاستقرائي، التحليلي والتركيبي معاً عند دراسة أية ظاهرة.

كان هذا وصفاً عاماً للمنهج العلمي، وأما فوائده فتتمثل في أنه يمنح السيطرة على الطبيعة، كما يمنح القدرة على التكيف معها وبما يلائمها، وأن نجاحنا في هذين الأمرين هو ما أسبغ على العلم مكانته، فلم يعد العلم أو المعرفة العلمية نوعاً من التأمل الحالم يقوم به العالم نحو الطبيعة، بل أصبح العلم نوعاً من السيطرة بالغة القوة بقصد تغيير البيئة إلى الأفضل، إنه انتقال من التأمل إلى التحكم، لكن نعود فنسأل: هل تستخدم العلوم جميعاً منهجاً واحداً، أم أن هناك مناهج تتعدد بتعدد العلوم ؟ وإن تعددت المناهج، فهل ثمة تمايز وانفصال بينها، أم أنه يمكن حدوث تداخل وتعاون بين أكثر من منهج، لنحاول التعرف على المناهج بالتعرف اولاً على علم المناهج.

[1]) مختار الصحاح: للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي – ترتيب محمود خاطر – طبعة دار المعارف – 1990 – ص 681.

[2]) انظر: د / حامد عبد الماجد: مقدمة في منهجية ودراسة وطرق بحث الظواهر السياسية – 2000 – ص 17.

[3]) مجمع اللغة العربية: المعجم الفلسفي، مادة: منهج، ص، 195.

[4]) انظر: د. قاسم محمد محمد: المدخل إلى المنهج العلمي، ص52.

17) انظر: د. قاسم محمد محمد: مرجع سابق، ص، 53،54.

[6]) د. قاسم محمد محمد: مرجع سابق،ص55

 قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.

 وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:

 تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.

 ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:

 تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.

 وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.

 وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:

المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.

المبحث الثاني: تجميع المعلومات.

وذلك على الوجه التالي:

سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.

وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.

وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).

ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.

وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:

[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.

قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.