المبحث الخامس: أنواع المناهج
وتنقسم المناهج إلى أنواع، ويرتبط هذا التقسيم بطبيعة البحث في كل علم، وأدوات هذا البحث، والغاية التي نتوخاها منه، نعرض هنا لستة مناهج رئيسة من بينها في ستة مطالب، وهي كما يلي:
المطلب الأول: المناهج العقلية (الفلسفية)
ولا تعني هذه التسمية أن ما يندرج تحتها كل المناهج العقلية وأن ما عداها من مناهج لا يستخدم العقل، بل المقصود بكونها عقلية اعتمادها على إعمال الذهن والارتكاز إلى التأمل على تفاوت في الدرجة فيما بينها تستخدم العلوم التأملية هذا النوع من المناهج، وقد قدمت لنا الفلسفة مجموعة من أساليب المنهجية في إطار ما يسمى مناهج البحث الفلسفي
- منهج التحليل السقراطي: ويعتمد على طرح الأسئلة وتصنيف الإجابات ويهدف إلى التوصل إلى الماهيات.
- المنهج التركيبي: قال به (أفلاطون) و(أرسطو) ومفكرو العصور الوسطى، ويتضمن عرضاً برهانياً بالعلاقة العلمية بين الفكر والوجود.
- منهج التنسك: ويعني بممارسة التطهر على المستويين الأخلاقي والذهني، يؤدي إلى استنارة العقل، نادى به (أفلاطون) و(أوغسطين) وبعض المتصوفة.
- المنهج النفسي: ويعني بالبحث في أصول الأفكار، استخدمه (ديكارت) وأتباعه، كما استخدمه التجريبيون الإنجليز.
- المنهج النقدي ” الترانسندنتلي “: قال به (كانت) ويهتم بتحليل شروط المعرفة وحدودها.
- المنهج الجدلي: ويتأسس على التسليم بفكرة، ثم التسليم بنقيضها، والتسليم ثالثاً بالمركب بينهما، وقد أقام هذا المنهج أصحاب المنهج الهيجلي والقائلون بالجدلية الجدلية.
- المذهب الحدسي: قال به ” برجسون “ وينادي بالإدراك المباشر للواقع عندما يمتزج الشعور بعملية التغير والصيرورة امتزاجاً تاماً.
- منهج التدبر والاستبطان الميتافيزيقي: ويهدف إلى إنماء الحقائق والقيم الكامنة بالإنسان، حتى تصل به إلى الله.
- منهج الاصطفاء: وهو منهج نقدي تاريخي، ويعني بالانتخاب المقصود والفعال، قال به “شيشرون “ و” سواريز “ و“ كوزان “.
- المنهج الوضعي: كما هو عند “ كونت “ و“ سبنسر “ و“ التجريبيين المناطقة “، ويحاول أن يطبق الإجراءات الدقيقة للعلوم الوضعية في الفلسفة.
المطلب الثاني: المنهج البديهي (الاستنباطي)
ويستخدم في العلوم النظرية والرياضيات من بينها على وجه الخصوص، ويستند الاستنباط إلى مجموعة من الحدود الأولية والتعريفات والبديهيات والمصادرات، وينتقل منها – في إطار مجموعة من قواعد الاشتقاق الصارمة – إلى ما يترتب عنه من نتائج أو نظريات، تتعلق التعريفات بتصورات خاصة بكل عالم، ففي الهندسة نعني بتحديد معاني حدود كالنقطة والخط، وفي علم الحساب نعني بتحديد معاني كالعدد الصحيح والإضافة والنقصان…الخ أما البديهيات فهي قضايا واضحة بذاتها لا يبرهن عليها، ولها خواص ثلاث: الوضوح النفسي، الأولية المنطقية الصورية، أما المصادرات فإننا نسلم بها رغم أنها ليست واضحة وضوح البديهيات وإن كنا نستنتج منها نتائج دون الوقوع في تناقض، تشكل مجموعة التصورات السابقة النسق الاستنباطي الذي إن اتسم بضرورة تربط بين مقدماته ونتائجه، إلا أنه لا يتسم بالعمومية، حيث لا يتحتم على العلم مثلاً أن يكون له نسق استنباطي بذاته لا يتغير، بل يمكن أن تتعدد الأنساق داخل العلم الواحد تعدد مجموعة الافتراضات الأولية التي ينطلق منها، ولابد للنسق في هذه الحالة أن تتوفر فيه شروط منها: استقلال مقدماته وبساطتها، بالإضافة إلى كفاية عناصره المكونة للبرهنة على قضايا العلم موضوع البحث، وعدم انطوائه على تناقض داخلي.
المطلب الثالث: المنهج الاستقرائي
هو منهج البحث في العلوم التجريبية كالطبيعة والكيمياء والأحياء، كما تستخدمه بعض العلوم الإنسانية كالتاريخ والنفس والاجتماع. يهدف إلى الكشف عن إطراد الظواهر وانطوائها تحت قوانين بعينها، ويستلزم هذا المنهج تطبيقاً دقيقاً واعياً لمجموعة من الخطوات والإجراءات يمكن تصنيفها في ثلاث مراحل هي: مرحلة الملاحظة والتجربة، ومرحلة تكوين الفروض العلمية، ومرحلة تحقيقها، أما الإجراءات فهي:
- الملاحظة وأدواتها المختلفة وتصنيف المشاهدات في ضوء التحليل والمقارنة.
- ثم اختيار الوقائع المتشابهة، وضع فروق تدور حول تعيين العلة أو القانون.
- التحقق باستخدام القواعد التجريبية
- الاستنباط وما يتعلق به من برهان وتفسير.
- ترتيب النتائج.
- صياغة القانون العلمي أو تكوين النظرية المناسبة في قضية.
وتنطوي هذه المراحل والخطوات الاستقرائية على الاعتقاد بمبادئ مثل مبدأ إطراد الحوادث في الطبيعة، ويمكن أن تخضع لتقويم فلسفة العلم ومناقشتها كما تخضع لنفس التقويم أدوات منهجية أخرى مثل الملاحظة طبيعتها وتأثرها بالنظريات السابقة التي يعتقد بها الباحث، الفروض وشروط تكوينها بصورة علمية، مشكلة الاستقراء والحلول المتاحة كلها، كما أن موقف العلماء المعاصرين من مراحل الاستقراء، وأهميته كمنهج، يكشف إلى حد بعيد مدى ما يمكن أن تسهم به فلسفة العلم في تطوير المنهج.
المطلب الرابع: المنهج الوصفي
وتستخدمه العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، ويعتمد على الملاحظة بأنواعها، بالإضافة إلى عمليات التصنيف والإحصاء مع بيان وتفسير تلك العمليات، ويعد المنهج الوصفي أكثر مناهج البحث ملاءمة للواقع الاجتماعي كسبيل لفهم ظواهره واستخلاص سماته. ويأتي على مرحلتين (19)، الأولى: مرحلة الاستكشاف والصياغة التي تحتوي بدورها على ثلاث خطوات هي تلخيص تراث العلوم الاجتماعية فيما يتعلق بموضوع البحث، والاستناد إلى ذوي الخبرة العلمية والعملية بموضوع الدراسة، ثم تحليل بعض الحالات التي تزيد من استبصارنا بالمشكلة وتلقي الضوء عليها، أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة التشخيص والوصف، وذلك بتحليل البيانات والمعلومات التي تم جمعها تحليلاً يؤدي إلى اكتشاف العلاقة بين المتغيرات وتقديم تفسير ملائم لها.
المطلب الخامس: المنهج التاريخي
هو منهج تعول عليه العلوم التي تدرس الماضي بسجلاته ووثائقه، ويعتمد هذا المنهج على الجمع والانتقاء والتصنيف وتأويل الوقائع، ومن ثم كان العمل الأول للمؤرخ هو الاهتداء إلى الواقعة التي اختفت في الماضي والتثبت منها، إذ أنها نقطه البدء في المنهج التاريخي نتعقبها في الوثيقة، وتناول الوثائق بالدراسة والتحليل عمل نقدي بالدرجة الأولى، وللنقد التاريخي مرحلتان:
- التثبت من صحة الوثيقة والاستعانة بمجموعة من العلوم المساعدة.
- التثبت من الواقعة في إطار نقد وثائق لا إرادية تدور حولها.
أما العمل الثاني للمؤرخ فهو عملية التركيب التاريخي حين ندمج الوقائع في مجموع حضاري شامل يدور في الوقت نفسه في سباق زمني واحد.
وهنا يثير التأريخ والعمل بالمنهج التاريخي نقاشاً حول بعض التصورات التي تهتم بها فلسفة العالم مثل: فكرة اتصال التاريخ، منطق التاريخ، الفهم والتفسير لما بين الوقائع من وجوه للشبه أو الاختلاف، السبب والنتيجة، الحشية التاريخية، مدى تحقق الموضوعية في دراسة التاريخ، وضعية التاريخ.
المطلب السادس: المنهج النفسي
وتستخدمه كل العلوم التي تجعل من السلوك الإنساني وتطوره موضوعاً لها، ولا يعتمد المنهج هنا على التحليل الاستنباطي وحده، وإنما يستند إلى إجراء التجارب، ودراسات علم النفس وفروعه تندرج تحت ما يسمى بعلم النفس التجريبي الذي أدخل مناهج الملاحظة المدعمة بالآلات العلمية كما تمارسها العلوم الطبيعية، كما تكتمل صورة المنهج النفسي بالإشارة إلى المنهج المقارن – بالإضافة إلى المنهج التجريبي – الذي يقوم بمقارنات، إما بين نماذج مختلفة من الأفراد، أو بين أفراد ينتمون إلى مجتمعات أو حضارات متباينة.
وتميل المناهج النفسية إلى تقصّي الأسباب التي تقف وراء الظواهر النفسية، وتسلم بالحتمية حتى تصبح مناهج علمية من الوجهة العملية، وإن كانت الحتمية لا تظهر في السلوك الإنساني إلا إذا غلبت عليه الآلية وكنا نقيس ظواهر ذات أساس فسيولوجي، أما الإنسان حر الإرادة المتحرر من الشروط الفسيولوجية والاجتماعية، فإنه لا ينطوي تحت مقولة الحتمية، وهنا تنشأ الحاجة لفلسفة العلم ولتناقش الحتمية، السببية، الحرية… إلخ.
[1]) انظر: د. محمد علي محمد: علم الاجتماع والمنهج العلمي، ص، 186.
[2]) انظر: د: قاسم محمد محمد: مرجع سابق: ص، 92-93.
[3]) انظر: د. عبد الرحمن بدوي: منهجية البحث العلمي، ص، 10.
[4]) انظر: د/عبدالغفار مكاوي: علم الفلسفة، ص، 103.
[5]) انظر: د. عبود عبدالله العسكري: منهجية البحث العلمي في العلوم القانونية، ص، 10.
قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.
وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:
تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.
ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:
تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.
وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.
وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.
المبحث الثاني: تجميع المعلومات.
وذلك على الوجه التالي:
سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.
وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.
وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).
ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.
وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:
[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.
قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.