يُمثل البحث العلمي ضرورة علمية حياتية سواء في حياة الأفراد أم في حياة الدول. فبالعلم تنهض أمم ودول، وبالعلم أيضاً تُباد أمم ودول. والوصول إلى العلم والانتفاع به أمر يستوجب البحث عنه. وللبحث عن العلم أسس ومناهج. وهو ما سوف نتحدث عنه في هذا الفصل كما يلي:
المبحث الأول: مفهوم البحث العلمي
يكون هذا التعريف هو المدخل الرئيسي لدراسة أي موضوع. وللوقوف على مفهوم البحث ينبغي أولاً تحديد معنى البحث ومعنى العلم. فكلمة “البحث” تأتي في اللغة العربية من الفعل بَحَثَ وبحث عن الشيء أي فتش عنه أو سأل عنه. وبحث عنه من باب قطع وبحث عنه أي فتش عنه ([1]).
وعلى ذلك فإن البحث يعني التفتيش والتنقيب عن مسألة معينة حتى يتبين حقيقتها على أي وجه كان. ولا يخرج تعريف البحث كاصطلاح عن معناه اللغوي. فهو أيضاً في المصطلح والدراسة لموضوع معين حتى يتبين حقيقته.
أما العلم: فهو مصطلح أكثر غموضاً، إذ أن تعريف العلم اختلف على مر العصور. وفي اللغة يعني ” العلم ” أي بكسر العين المعرفة، وعَلِمَ الشيء بالكسر تعلمه (عِلما) عرفه. ورجل (عَلاَمة) أي (عَالِم) جداً والهاء للمبالغة، و(استعمله) الخبر (فاعلَمَه) إياه ([2]). وفي المصطلح فإن العلم عُرف بأنه مجموعة المعارف الإنسانية التي من شأنها أن تساعد على زيادة رفاهية الإنسان أو أن تساعده في صراعه في معركة تنازع البقاء وبقاء الأصلح.
على أنه يؤخذ على هذا التعريف قصوره. فمن العلم ما استخدم في تدمير البشرية. وهو تعريف للعلم أقرب إلى وصفه من تحديد مفهومه.
ويعُرف العلم بأنه مجموعة الخبرات الإنسانية التي تجعل الإنسان قادراً على التنبؤ. وعُرف أيضاً بأنه فهم ظواهر هذا الكون، وأسبابها وآثارها ([3]).
وعلى ذلك فإن العلم هو إدراك الشيء بحقيقته، وهذا الإدراك لا يتأتى إلا عن طريق الفهم أو التنبؤ وربط الأسباب بالمسببات. وعلى ذلك فإن العلم هو مجموعة مسائل وأصول كلية تدور حول موضوع واحد وتعالج بمنهج معين وتنتهي إلى بعض النظريات والقوانين كعلم الزراعة وعلم القانون والفلك والطب وغيرها ([4]).
ولا يخرج تعريف البحث العلمي عن الربط بين معنى كلمة البحث ومعنى كلمة العلم. ولذلك ذهب البعض إلى تعريف البحث العلمي بأنه ” إعمال الفكر وبذل الجهد الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضايا، بالتفتيش والتقصي عن المبادئ أو العلاقات التي تربط بينها، وصولاً إلى الحقيقة التي ينبني عليها أفضل الحلول لها”([5]).
وعُرف أيضاً بأنه ” أسلوب يهدف إلى الكشف عن المعلومات والحقائق والعلاقات الجديدة والتأكد من صحتها مستقبلاً، بالإضافة إلى الوصول إلى الكلية أو العمومية أي التعمق في المعرفة والكشف عن الحقيقة والبحث عنها، وكذلك يهدف إلى الاستعلام عن صورة المستقبل أو حل لمشكلة معينة، وذلك من خلال الاستقصاء الدقيق والتتبع المنظم الدقيق والموضوعي لموضوع هذه المشكلة، ومن خلال تحليل الظواهر والحقائق والمفاهيم ([6]).
وقريب من ذلك تدار التعريفات الأخرى للبحث العلمي، ومن ذلك ما ذهب إليه البعض من أنه ” التبويب المنظم للمعرفة، ويرى البعض أن المعرفة أوسع وأشمل من العلم، ذلك أن المعرفة تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية، ونستطيع أن نميز بينهما على أساس قواعد المنهج العلمي وأساليب التقدير التي تتبع في تحصيل المعارف فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي واتبع خطواته في التعرف على الظواهر والكشف عن الحقائق الموضوعية فإنه يصل إلى المعرفة العلمية.
وعلى ذلك فإذا كان العلم هو التبويب المنظم للمعرفة، وكان البحث هو وسيلة العلم أو أداته للوصول إلى الحقائق والقواعد والقوانين التي تستخدم لتفسير الظواهر والتنبؤ بسلوكها، فإن البحث العلمي يعني الدراسة المنظمة للوصول إلى حلول للمشكلات التي تواجهنا ولأنه علمي فإنه يجب أن يكون منهجياً أي له طرق وإجراءات وقواعد وخطوات.
إن البحث العلمي هو مجموعة الجهود المنظمة التي يقوم بها الإنسان مستخدماً الأسلوب العلمي وقواعد الطريقة العلمية لاكتشاف الظواهر وتفسيرها وتحديد العلاقات بينها.
والبحث العلمي بهذا المعنى يعتبر ضرورة حياتية لا تستقيم حياة الإنسان بدونها. فالوجود في الحياة“ يتطلب ضرورة إجراء “ البحث “ عن الحقيقة “ ([7]).
[1]) انظر: مختار الصحاح، للشيخ الأمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، طبعة دار المعارف، القاهرة – 1990، ص 41
[2]) انظر: مختار الصحاح: المرجع السابق – ص 451 – 452
[3]) انظر: د/ جابر جاد نصار: أصول وفنون البحث العلمي، دار النهضة العربية، القاهرة – 2002 – ص 12.
[4]) انظر: د/ أحمد عبد الكريم سلامة: الأصول المنهجية لإعداد البحوث العلمية – الطبعة الأولى – ص 13 ,
[5]) انظر: د/ أحمد عبد الكريم سلامة: المرجع السابق – ص 14.
[6]) انظر: د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق، ص 14، كذلك انظر: د/ زين بدر فراج: أصول البحث القانوني – دار النهضة العربية – 2000، ص 19.
[7]) انظر: د/ صلاح الدين فوزي: المنهجية في إعداد الرسائل والأبحاث القانونية، دار النهضة العربية – 2000 – ص 2.
قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.
وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:
تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.
ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:
تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.
وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.
وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.
المبحث الثاني: تجميع المعلومات.
وذلك على الوجه التالي:
سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.
وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.
وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).
ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.
وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:
[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.
قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.