مادة (11)
لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
تقرير اللجنة المشتركة:
بالنسبة للمادة 11 رأت اللجنة الإبقاء على المادة كفقرة أولى كما أضيفت فقرة ثانية إليها تنص على عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح وترى أن هذه الإضافة كانت بالضرورة لمواجهة ما تضمنته المادة الأولى من القانون من سريان القانون أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع فجاءت هذه الإضافة بحق لتقييد النص الأول بالمسائل التي يجوز فيها الصلح.
مناقشات مجلس الشعب:
أبدى العضو توفيق زغلول ملاحظته بأن اللجنة في المادة (11) أضافت عبارة، فهي تقول: “لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه… ثم أضافت عبارة ” ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح وهذه مسألة بديهية، فقاطعه رئيس المجلس بأن هذه العبارة لا بد من وضعها، لأن هناك نصوص في قوانين التحكيم في دول أجنبية تقول: “ولا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام “لذلك نصت الفقرة الأخيرة من المادة (11) على ” ولا يجوز فيها الصلح ” حتى تشمل جميع الحالات لأنه بدونها سيتم التصالح في المسائل المتعلقة بالنظام العام وغيره ومن ثم ندخل في مشاكل قانونية:
وطلب العضو توفيق زغلول حذف العبارة وترك النص مطلقا لأنه لن يستطاع معرفة مدى تعلق الأمر بالنظام العام إلا بعد فحص الموضوع حتى يمكن تحديد ما إذا كان الصلح جائزا أم لا.
وعقب الأستاذ المستشار وزير العدل ” بأن القانون لم يأت بجديد عندما وضع هذا النص لأن الفقرة الرابعة من المادة (501) من قانون المرافعات تنص أيضاً على انه ” لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
كما أن المادة 551 من القانون المدني تنص على ” لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بالنظام العام.
وتقدم الدكتور/ جميل صبحي برسوم باقتراح بإضافة عبارة ” بمقتضى نص تشريعي آ مر بعد عبارة لا يجوز فيها الصلح وذلك حتى لا تكون هناك فرصه للاتفاق على ما يخالف هذا، وما لبث أن تنازل عن اقتراحه بعد رد رئيس المجلس بقوله ” لا خلاف بين هذه الآراء بين النص الحالي كما ورد من الحكومة لأن ما لا يجوز فيه الصلح هو ما يتعلق بالنظام العام والأحوال الشخصية وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلى التعديل لأن القانون المدني يكمل مشروع هذا القانون.
الفقه والقضاء:
أوجب القانون في المادة الحادية عشراً توافر شروط للاتفاق على التحكيم يمكننا تقسيمها إلى قسمين:
الأول: توافر أهلية التصرف في أشخاص المحتكمين.
الثاني: ألا يكون التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح
وهو ما سنعرض فيهما آراء الفقه وأحكام القضاء على التفصيل الآتي:
أولاً: توافر أهلية التصرف في أشخاص المحتكمين:
_ حدد قانون التحكيم المصري الأهلية المطلوبة في المادة الحادية عشر بالنص على انه ” لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه “.
ومعنى هذا انه لا يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب وإنما يجب أيضاً أن يكون أهلا للتصرف في الحق موضوع النزاع.
(د. ناديه محمد معوض.. مرجع سابق ص67)
فلا يكفي توافر الأهلية اللازمة للقيام بأعمال الإدارة وبالتالي لا تكفي أهلية الالتجاء للقضاء، وإذا كان التحكيم في وظيفته قضاء فيجب دائما أن يتمتع من يريد إبرام اتفاق التحكيم بالأهلية المدنية الكاملة أي إمكانيات إجراء الأعمال القانونية على المال الذي يتناوله التحكيم بصرف النظر عن طبيعة هذا المال وذلك لأن الاتفاق على التحكيم يعنى التنازل عن رفع النزاع إلى قضاء الدولة، وهو ما قد يعرض الحق المتنازع عليه للخطر.
(د: ناريمان عبد القادر، مرجع سابق ص232)
ويعرف الفقهاء الأهلية بأنها صلاحية الشخص لأن تتعلق به حقوق له أو عليه ولأن يباشر بنفسه الأعمال القانونية والقضائية المتعلقة بهذه الحقوق.
والأهلية نوعان: أهلية وجوب، وأهلية أداء:
وأهلية الوجوب هي صفه تقوم بشخص تجعله صالحا لأن يباشر بنفسه عملاً قانونيا أو قضائيا خاصاً بالحقوق أو الواجبات التي يصلح هذا الشخص لتعلقها به.
(د: سليمان مرقس.. الوافي في شرح القانون المدني، شرح الباب التمهيدي ج1 ص 750 ومابعدها)
وفقد الأهلية أو نقصها يرجع في الأدوار الطبيعية لحياة الإنسان إلى انعدام التمييز أو عدم اكتمال العقل والرشد، فكل شخص يبلغ 21 سنه وهو رشيد يكون كامل الأهلية إلا إذا وجد به ما يسوغ استمرار الوصاية عليه، وقضت المحكمة بذلك قبل بلوغه سن الرشد، فإذا وجد به عارض يؤثر في قوه تمييزه أو في حسن تدبيره للأمور،كان هذا العارض سبباً في الحجر عليه والحد من أهليته (والعوارض خمسه هي: الجنون، والعته، والسفه، والغفلة، والعاهة الجسمية).
وهناك أسباب أخرى للحد من الأهلية ولا سيما أهلية الأداء على النحو آنف البيان وهى:
من يحكم عليه بعقوبة جناية:
فلا يجوز للمحكوم عليه بعقوبة جناية وفقاً لنص المادة 25 من قانون العقوبات أن يتولى إدارة أمواله خلال فتره تنفيذ العقوبة ولا أن يتصرف فيها إلا بناء على إذن من المحكمة، ويعتبر حرمان المحكوم عليه من أهليته حرمانا تاما يشمل جميع الأعمال القانونية، عقوبة تبعية فهو مقرر لمصلحه المجتمع لا لمصلحه المحكوم عليه كما في سائر أحوال نقص الأهلية أو انعدامها.
(نقض مدني 13 / 6 / 1979 مجموعه أحكام النقض س30 – ج2 ص620 ق 302)
ويستتبع حرمان المحكوم عليه بعقوبة جناية من إدارة أمواله عدم أهليته للتقاضي أمام المحاكم سواء بصفته مدعيا أو مدع عليه ويمثله أمامها القيم الذي تعينه المحكمة، إلا أن هذا الحجر القانوني مؤقت بمده تنفيذ العقوبة وان هذا الحجر لا يرجع لنقص أهليته فهو كامل الأهلية لأنه كامل التمييز وإنما يوقع الحجر لاستكمال العقوبة من جهة وللضرورة من جهة أخري.
(نقض مدني 13 يونيو 1979،،، مشار إليه سلفاً)
2 ـ من يحكم عليه بإشهار إفلاسه:
فالحكم الصادر بإشهار الإفلاس أثره غل يد المدين المفلس عن إدارة أمواله أو التصرف فيها وفقد أهليته للتقاضي بشأنها ويحل محله في تلك الأمور وكيل الدائنين، عدم زوال صفته إلا بانتهاء التفليسة.
(نقض – جلسة 11 /6 / 1989 الطعن رقم 2181 لسنة 54 ق)
(نقض جلسة 13 /3 / 1989 الطعن رقم 894 لسنة 57 ق)
(نقض جلسة 20 / 1 / 1992 الطعن رقم 2272 لسنة 54 ق)
(نقض جلسة 13 / 7 / 1992 الطعن رقم 908 لسنة 51 ق)
(نقض جلسة 5 / 7 / 1993 ا لطعن رقم 527 لسنة 59 ق)
(نقض جلسة 9 / 1 / 1995 الطعن رقم 2933 لسنة 61 ق)
وجمله القول أنه يمكن تقسيم الأشخاص الطبيعية من حيث أهلية الأداء ثلاثة أقسام:
فاقدوا الأهلية أي الذين لا يصلحون لمباشره أي عمل قانوني، وهم الصبي غير المميز والمجنون والمعتوه المميز بعد الحجر عليه.
ناقصو الأهلية، أي الذين يصلحون لمباشره بعض التصرفات دون البعض الآخر، وهم الصبي المميز والمعتوه المميز قبل الحجر عليه والسفيه وذو الغفلة بعد الحجر عليهما وهؤلاء تختلف أهليتهم بالنسبة إلى كل نوع من الأعمال القانونية عنها بالنسبة إلى غيره فتكون كاملة بالنسبة لبعض الأعمال ومعدومة بالنسبة إلى بعض آخر ومنقوصة أو ضعيفة بالنسبة لباقي الأعمال القانونية.
كاملو الأهلية: أي الذين يملكون مباشره جميع أنواع التصرفات، وهم كل إنسان بلغ احدي وعشرين سنه ولم يحكم باستمرار الوصاية عليه ولم يوجد به أي عارض من عوارض الأهلية.
_ أما عن الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية فقد نصت المادة 52 من القانون المدني على أن الأشخاص الاعتبارية هي:
الدولة وكذلك المديريات والمدن والقرى بالشروط التي يحددها القانون والإدارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة التي يمنحها القانون شخصيه اعتبارية.
الهيئات والطوائف الدينية التي تعترف بها الدولة بشخصيه اعتبارية.
الأوقاف.
الشركات التجارية والمدنية.
الجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً للأحكام التي ستأتي فيما بعد
كل مجموعه من الأشخاص أو الأموال تثبت لها الشخصية الاعتبارية بمقتضى نص في القانون.
ـ ونصت المادة 53 من القانون المدني على أنه:
1 ـ الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفه الإنسان الطبيعية وذلك في الحدود التي قررها القانون.
2 ـ فيكون له:
(أ) ذمة مالية مستقلة
(ب) أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه أو التي يقررها القانون.
(ج) حق التقاضي
(د) موطن مستقل ويعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته والشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في مصر يعتبر مركز إدارتها بالنسبة للقانون الداخلي المكان الذي توجد فيه الإدارة المحلية.
3 ـ ويكون له نائب يعبر عن إرادته.
ـ وقضت محكمة النقض بأن “الشخصية المعنوية تثبت لجميع الشركات المدنية والتجارية على السواء أياً كان الشكل الذي تتخذه فيما عدا شركات المحاصة.
(الطعن رقم 924 لسنة 49 ق جلسة 28 / 12 / 1981 س 32 ص 2447)
وأهلية التصرف أو أهلية الأداء للأشخاص الاعتبارية يحدد كيفيتها ومداها سند إنشاء هذه الشخصية والقانون المنظم لها وغالبا ما تشترط هذه القوانين إجراءات معينة لإجازة التصرف وتفويض الممثل القانوني لهذه الشخصيات في أعمال التصرفات ومنها الاتفاق على التحكيم.
ثانياً: ألا يكون التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
وضع المشرع ضابطا بنص المادة الحادية عشر – موضوع التعليق – بالنص على انه ” لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ”
وحيث نظم الفصل السادس من التقنين المدني عقد الصلح في المواد من 549 إلى 557.
ونص في المادة 551 منه على أنه ” لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تترتب عن ارتكاب إحدى الجرائم”.
ويبين من هذا النص أن المشرع لم يجز الصلح في أمرين:
الأول: المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية.
الثاني: المسائل المتعلقة بالنظام العام، وهو ما نوضحه تفصيلا في ضوء آراء الفقه وأحكام القضاء وعلى النحو التالي:ـ
أولاً: بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية:
ـ الحالة الشخصية للإنسان من النظام العام فليس لأحد باتفاق خاص أن يعدل من أحكامها وكذلك الأهلية من النظام العام، وقد نصت المادة (48) من القانون المدني على أنه ” ليس لأحد النزول عن أهليته ولا التعديل في أحكامها. “ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالأهلية فلا يجوز أن يتصالح شخص مع آخر على بنوته منه بنفي أو بإثبات، لو على صحة الزواج أو بطلانه، أو على الإقرار بالجنسية أو نفيها أو على تعديل أحكام الولاية والوصاية والقوامة أو على حق الحضانة، كما لا يجوز الصلح على الأهلية، ومن كان غير أهل فلا يجوز أن يصالح غيره على أنه أهل، أو كان أهلاً لا يجوز له بالصلح النزول عن أهليته، ولا يجوز الاتفاق صلحا على التعديل من أحكام الأهلية ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية فيجوز للمطلقة أن تنزل عن مؤخر صداقها وعن نفقه العدة، ويجوز لمن له حق النفقة على غيره أن ينزل عما يستحق من نفقه مده معينه لا أن ينزل عن حق النفقة ذاته، ويجوز للوارث أن يتخارج مع بقيه الورثة على نصيبه في الميراث لا أن يتصالح على صفته كوارث. ويجوز الصلح كذلك على المصالح المالية التي تترتب على الأهلية فيجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد أن يصالح من تعاقد معه وهو قاصر على إجازة العقد بشروط معينه.
(يراجع في هذا الصدد بالتفصيل:أ.د.عبد الرازق السنة وري..الوسيط المجلد الخامس ص554 ومابعدها)
ثانياً: بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام:
بداية نود أن ننوه إلى انه من الصعوبة بمكان وضع تعريف جامع مانع للنظام العام ويرجع صعوبة تعريف النظام العام تعريفا دقيقا إلى أن فكرته غير محدودة تتغير وفقاً للزمان والمكان وتختلف تبعا للمذاهب والنظريات وتتشكل تبعا للمذاهب والنظريات وتتشكل حسب الغرض الذي من أجله يراد تحديدها.
(د. سليمان مرقس.. الوافي في شرح القانون المدني ج1 ص137)
فالنظام العام في كل بلد هو مجموعه المبادئ الرئيسية التي تعتبر أساساً للقانون في ذلك البلد وهو بمثابة العمود الفقري لقانون ذلك البلد.
فهو الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي والخلقي الذي يقوم عليه كيان الدولة كما ترسمه القوانين النافذة فيها أو بعبارة أخرى هو مجموعه القواعد القانونية التي تنظم المصالح التي تهم المجتمع مباشرة أكثر مما تهم الأفراد سواء كانت تلك المصالح سياسية أو اجتماعية أو اقتصاديه أو خلقيه ولو لم يرد بهذه القواعد نص تشريعي لأن النظام العام يجاوز نطاق التشريع.
(د.سليمان مرقس… مرجع سابق ص140 وما بعدها)
وعرفته محكمة النقض بأنه ” النظام العام يشمل القواعد التي ترقى إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد وتقوم فكرته على أساس مذهب علماني بحت يطبق مذهبا عاما تدين به الجماعة بأسرها ولا يجوز ربطه البتة بأحد أحكام الشرائع الدينية.. وإن كان هذا لا ينفي قيامه أحياناً على سند مما يمت إلى العقيدة الدينية بسبب متى أصبحت هذه العقيدة وثيقة الصلة بالنظام القانوني والاجتماعي المستقر في ضمير الجماعة.
(الطعن رقم 132 لسنة 73ق جلسة 7 /3 / 2005)
وقضت بأن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد إلى تحقيق مصلحه عامه سياسية أو اجتماعيه أو اقتصاديه تتعلق بنظام المجتمع إلا على وتعلو على مصلحه الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصالح وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقيات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقيات لهم مصالح فرديه لأن المصالح الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة وسواء ورد في القانون نص يجرمها أو لم يرد.
(الطعن رقم 385 لسنة 44 ق مج فني سنه 31 ص1193 جلسة 24 /4 /1980)
(الطعن رقم 2763 لسنة 59 ق مج فني سنه 40 ص388 جلسة 25 /5 /1989)
(الطعن رقم 494 لسنة 55 ق مج فني سنه 42 ص756 جلسة 14 / 3 /1991)