الفصل الخامس: كتابة البحث العلمي وإخراجه
تمثل مرحلة الكتابة أهمية كبيرة بالنسبة للباحث، فمن ناحية أولى: تترجم بصورة واضحة جهد الباحث، توطئة لإخراجه إلى حيز الوجود، ووضعه بين يدي قارئه. وتخضع كتابة البحث لقواعد علمية صارمة، يجب على الباحث الالتزام بها.
وسوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين: المبحث الأول: في كتابة البحث. والمبحث الثاني: في إخراج البحث بصفة نهائية. على أننا قبل ذلك سوف نُلقي الضوء على مدخلين أساسيين لمرحلة الكتابة وذلك كما يلي:
المدخل الأول: التأمل في المعلومات والبيانات:
فقبل أن يشرع الباحث في الكتابة، فإن عليه بعد مرحلة طويلة من التجميع أن يقف أمام ما جمعه من معلومات، وما تيسر له من بيانات لكي يتأملها. ويتحاور معها ويترك لعقله أن يتفاعل معها. هذا التأمل هو الذي ييسر له عملية التفاعل بين هذه المعلومات وبين خطة بحثه.
ويستدعى التأمل في المادة العلمية المتوافرة للباحث أن يحيط بها من جميع جوانبها. ثم نبين أجزاء الخطة المختلفة ويرى ما في هذه المعلومات من قصور يستدعى ضرورة استكماله.
وفي هذه المرحلة يجب أن يهيئ الباحث نفسه ذهنياً ونفسياً لمرحلة الكتابة. وتستلزم مرحلة التأمل هذه عدة أمور:
فمن ناحية أولى: على الباحث أن يعيد قراءة ما جمعه، ثم يميز بينه، فليس كل ما جمعه بالضرورة مفيداً له، فضلاً عن احتوائه لجوانب قد لا تكون ذات صلة ببحثه، وعلى الباحث ألا يتردد في طرحه جانباً والاستغناء عنه في بحثه. وإن جاز أن يستفيد منه بعد ذلك في أبحاث أخرى.
وفي الحقيقة فإن أكثر ما يعيب الأبحاث – لا سيما الرسائل العلمية كرسائل الماجستير والدكتوراة – احتواؤها على أجزاء قد لا تتصل بموضوعها بصورة مباشرة([1]). وتؤدي بالضرورة إلى حجم الرسالة بدون داع، وهو يمثل عيباً جوهرياً في هذه الرسائل. وهو أمر ينتج عنه تمسك الباحث بكل ما جمعه ومحاولة تحمله في خطة البحث بغير مبرر.
ومن ناحية ثانية: إن التأمل في المادة العلمية المتاحة للباحث، يعطي له انطباعاً شمولياً وكلياً عن موضوع البحث. وهو أمر ينقل فكر الباحث من النظر في الجزئيات أي في كل جزئية على حدة، وذلك ما تقتضيه مرحلة التجميع، إلى النظرة الكلية الشاملة التي تحتوي على جزئيات البحث، وتنقل ذهن الباحث إلى التركيز على الفكرة الجامعة للبحث.
ومن ناحية ثالثة: تؤدي مرحلة التأمل في المادة العلمية وقبل الدخول في مرحلة الكتابة تمكين الباحث من الإبداع والتطور سواء في تناول موضوعات البحث، أم في اختيار العناوين الفرعية وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تميز البحث([2]).
المدخل الثاني: ضرورة مراجعة خطة البحث المبدئية:
إذا كانت اللوائح الجامعية تضع قيوداً على تعديل العنوان تعديلاً جوهرياً، فإن ذلك لا يعني ثبات خطة البحث. فهذه الخطة تعتبر خطة مبدئية، يستطيع الباحث في أي وقت أن يغير فيها أو يعدلها. سواء من ناحية التقسيم، أو من ناحية العناوين الداخلية.
فالخطة المبدئية وضعها الباحث في بدايات اختيار الموضوع وقت أن كانت المعلومات المتاحة لديه قليلة، وغير كافية. أما وهو في هذه المرحلة، ويتهيأ للكتابة، فإن الأمر جد مختلف تماماً. فالمعلومات والبيانات التي يحصل عليها الباحث في مرحلة التجميع الطويلة، تتيح له نظرة شاملة أوسع. ولذلك فإنه في هذه المرحلة، يجب أن يعيد النظر مرة أخرى في هذه الخطة على ضوء ما توافر من معلومات وبيانات. وهذا لا يعني تثبيت الخطة قبل الكتابة. فالخطة لا تثبت إلا بعد طباعة البحث، وإخراجه بصورة نهائية.
إذا ما فرغ الباحث من ذلك فإنه يبدأ الدخول في مرحلة الكتابة. وهي مرحلة مفصلية في حياة الباحث والبحث. وتتجلى فيها بصورة واضحة قدرات الباحث وتميزه سواء في الأسلوب أم في توظيف المعلومات والبيانات.
[1]) د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق، ص 216.
[2]) د/ جابر جاد نصار: المرجع السابق، ص 217.
قد اعتاد بعض الباحثين، أو بعض طلاب العلم في المراحل الجامعية الأولى، على عدم التفريق بين المصدر والمرجع، أو المصدر الرئيس والمصدر الثانوي، ففي اللغة: المصدر هو: المنهج أو الأصل، وهو مشتق من الصدر، أو الصدارة في كل شيء. أي: تعني الأهمية والموقع المتقدم.
وفي نطاق هذا الفصل يجدر بنا أن نبين كيفية الرجوع إلى المراجع والمصادر للحصول عليها من المعلومات والبيانات وضوابط هذا الرجوع وذلك كما يلي:
تتبدى أهمية تجميع المعلومات والبيانات وتدوينها في أنها تعطي الباحث المادة الخام التي سوف يصنع منها بحثه. وبقدر وفرة المعلومات والبيانات وتغطيتها لكل جوانب الرسالة بقدر ما يسهل على الباحث إتمام بحثه بصورة جيدة.
ولما كانت كيفية الرجوع إلى هذه المراجع يرتبط أساساَ بنوع هذه المراجع. فإنه يجدر بنا بيان هذه الأنواع. وبعد ذلك نبين كيفية تدوين هذه المعلومات. وذلك كما يلي:
تأتي أدوات البحث العلمي في مرحلة لاحقة لتحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية لموضوع البحث؛ وفقاً للقواعد والأسس التي سبق وحددناها. وأدوات البحث العلمي هي مفترض ثابت في كل الأبحاث. فمن الصعوبة بمكان القيام ببحث علمي دون وجود هذه الأدوات. وإذا كانت أدوات البحث متوافرة لكل الباحثين فإن قدرة الباحثين على استخدام هذه الأدوات تتفاوت بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم على الفهم والتمحيص. ذلك أن البحث العلمي هو في حقيقته مهنة أو حرفة أو مهارة وليس وظيفة. ويبقى إجادة الباحث لمفردات هذه المهنة مرتبطا إلى حد كبير بقدراته الشخصية وسعة اطلاعه وقدرته على الترتيب والتنظيم، وتحليل المعلومات التي يحصل عليها.
وسوف نتناول أدوات البحث العلمي وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات. فهذا الاستخدام يبدأ بتحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث. ثم يقوم بتجميع المعلومات التي تتصل بموضوعه من هذه المراجع. وأخيراً يقوم بترتيب هذه المعلومات وتدوينها وفق اسس علمية محددة توطئة للاستفادة بها.
وترتيباً على ذلك فسوف نقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تحديد المراجع المتصلة بموضوع البحث.
المبحث الثاني: تجميع المعلومات.
وذلك على الوجه التالي:
سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث تتضمن تحديد موضوع البحث، ووضع خطة مبدئية له. يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها تختلف تماماً عن ذلك، فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المراجع المتصلة بالبحث.
وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة. وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه.
وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي سوف يستخدمها الباحث في صناعة بحثه. فهي المواد الأولية التي سوف يواجه بها موضوع البحث. وهى مصادر معلوماته وبياناته. وعلى ذلك فإنه بقدر هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج([1]).
ومراجع البحث ومصادره ومعلوماته متعددة. إلا أنها تتكاتف لتأدية وظيفة واحدة. وهي توفير المعلومات والبيانات للباحث. ولذلك يستطيع الباحث ومعه الأستاذ المشرف أن يحدد أياً من هذه المصادر أنفع له في تحقيق هدفه.
وتأتي المكتبة وما تحويه من كتب في مقدمة هذه المصادر. فضلاً عن ذلك توجد الوسائل الميدانية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتبعها الباحث للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لبحثه. وسوف نتناول كل هذه المصادر بالتفصيل كما يلي:
[1]) د/ جابر جاد نصار: مرجع سابق، ص 96.
قبل الدخول الفعلي في مرحلة الكتابة، يجب على الباحث أن يعرف القواعد الأساسية للكتابة. ولذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في المطلب الأول: قواعد الكتابة. وفي المطلب الثاني: مراحل الكتابة.